بقلم خلود وتار قاسم
ما يجري اليوم في أوكرانيا ليس حدثًا عابرًا في الجغرافيا السياسية، بل هو درس عميق لكل الدول الصغيرة التي تجد نفسها محاطة بعواصف القوى الكبرى. هذا الدرس يقول بوضوح: النجاة ليست بحجم الدولة، بل بقدرتها على الوعي الذاتي، وعلى تحويل عناصرها الداخلية إلى شبكة حماية متينة.
الدول الصغيرة تحمي نفسها أولًا بالوحدة الداخلية التي تُغلق الأبواب أمام الانقسامات والاختراقات، ثم بالاقتصاد الذكي الذي يحررها من الارتهان، وبقدرة دفاعية تجعل أي اعتداء عليها مكلفًا أكثر من فائدته، وبديبلوماسية مرنة تمكّنها من التحرك بخفة بين موازين القوى المتغيّرة.
لقد أثبت التاريخ أن الحجم ليس عائقًا إذا أُحسن استثمار الإمكانات. سويسرا نجت من أهوال الحروب الأوروبية لأنها حولت حيادها إلى قوة، وسنغافورة صنعت من جزيرة صغيرة مركزًا اقتصاديًا عالميًا بفضل رؤيتها ووعيها لدورها.
أما لبنان، فقصته مختلفة ومليئة بالفرص الضائعة. هذا البلد لم يكن يومًا هامشيًا؛ كان دائمًا صلة وصل بين الشرق والغرب، من خلال جامعاته الرائدة، ومستشفياته المتميزة، ودور نشره وصحافته وفنونه وثقافته. لو استثمرنا في هذه القوة الناعمة، لكان لبنان اليوم محصّنًا بدوره الإقليمي والدولي بدل أن يكون ساحة صراع الآخرين.
القوة الحقيقية للبنان ليست في جيشه وحده، ولا في موارده الطبيعية فقط، بل في وعي شعبه لدوره التاريخي. إذا استعدنا هذا الوعي وبنينا عليه، يمكن للبنان أن يخرج من دائرة الاستنزاف إلى موقع المبادرة، وأن يحوّل موقعه الجغرافي من عبء إلى فرصة.
المطلوب اليوم أن نرتقي إلى مستوى المسؤولية: أن نفهم نقاط قوتنا ونبني عليها، أن نحصّن بيتنا الداخلي بالوحدة والثقة، وأن نعيد صياغة دورنا كجسر للحوار والتلاقي في منطقة مأزومة. فهكذا فقط يصبح لبنان، برغم صغره، عصيًّا على التهميش، وصوتًا مسموعًا في زمن تتنازع فيه الأصوات.