بقلم رفيق خوري
لبنان يبدو اليوم قصة “موت معلن”، لا كعنوان رواية من موجة الواقعية السحرية في أميركا اللاتينية بل كمصير يهدد به الشيخ نعيم قاسم بدم بارد. أما “الجريمة”، فإنها قرار مجلس الوزراء بسحب السلاح من “حزب الله”. وأما “العقاب”، فإنه “لا حياة للبنان” إذا جرت محاولة لسحب السلاح.
والمفارقة أن من يهدد بإنهاء لبنان بصورة دراماتيكية يستعيد أجواء كربلاء، مع أنه لا الشيعة اليوم هم في وضع الحسين وعائلته وأنصاره، ولا بقية اللبنانيين يحملون سيف يزيد. وأخطر ما في أي خلاف سياسي، مهما يكن موضوعه، هو اللجوء إلى العصبيات الطائفية واستخدام سلاح المآسي المذهبية والصراع بين الحق والباطل، مع أنه لا شيء خارج السياسة والسلطة.
والواقع أن موضوع السلاح معقد وبسيط في آن. معقد بالقياس على ثلاثة أمور. أولها تاريخ سلاح “حزب الله” ودوره في تحرير الجنوب عام 2000، وعمله على ضمان الاقتدار بعد حرب 2006، وقوة الإيديولوجيا المذهبية المرتبطة بولاية الفقيه والتي تربت عليها أجيال من “بيئة المقاومة” لا مجال لإعادة النظر في موقفها مهما حدث من أخطاء ومآسٍ وسقط من شهداء وجرى تدميره من أسلحة ومنازل ومنشآت.
وثانيها أن السلاح أداة في مشروع إيراني إقليمي يبدأ من “شرق أوسط إسلامي بقيادة طهران” حسب المرشد الأعلى علي خامنئي، وينتهي بظهور الإمام الغائب و”تشكيل حكومته العالمية”، ويواجه هيمنة أميركية وقوة إسرائيلية تتسلط على المزيد من الأرض، وأكثرية عربية وإسلامية ضد المشروع. وثالثها تصوير السلاح بأنه ضمان لموقع الطائفة الشيعية ودورها وقوتها في البلد، مع أن الموقع ثابت والدور محفوظ.
وبالنظر إلى التحولات الهائلة التي حدثت في المنطقة منذ “طوفان الأقصى” وحرب غزة ولبنان وإيران وسقوط نظام الأسد وبدء ورشة بناء الدولة في لبنان، فالمشروع الإقليمي الإيراني محكوم بالانحسار، وإن كانت الجمهورية الإسلامية مصرة على إنكار ما خسرته تحت الضربات الأميركية والإسرائيلية وادعاء “الإنتصار على أميركا وإسرائيل”.
ودور السلاح في لبنان انتهى بعد مغامرة “حرب الإسناد” واتفاق وقف الأعمال العدائية الذي تخرقه إسرائيل يومياً بالاغتيالات والقصف من دون أي رد من مقاومة مع وقف التنفيذ. وضرر السلاح على لبنان أكبر من قدرته على منع الضرر الإسرائيلي، لا فقط بالنسبة إلى حماية نفسه بعد سقوط الردع بل أيضًا بالنسبة إلى كل البلد. فضلًا عن أن ما كان من الضرورات في الماضي خلال غياب الدولة والجيش عن الجنوب وقيام المقاومة الوطنية أولًا ثم الإسلامية بالقرار السوري والإيراني، صار من “الأضرار” بعد الرئاسة الجديدة ورئاسة الحكومة الجديدة وتولي الدولة المسؤولية الوطنية عن مواجهة الأخطار والتحديات من أي جهة أتت واستعادتها قرار الحرب والسلم.
ومن السهل أن يرفض “حزب الله” تسليم السلاح، لكن من الصعب أن يفرض على الدولة التراجع عن قرارها سحب السلاح وحصريته بيدها. والخيار ليس بين سحب السلاح أو الحفاظ عليه، كما هي السردية الرائجة. بل بين تسليم السلاح للجيش بما يضمن الاستقرار للبنان ومجيء المساعدات وإعادة الإعمار أو المخاطرة بتدميره بالآلة العسكرية للعدو الإسرائيلي، مع ما يدفعه لبنان من أثمان في الدمار والسيادة وبناء الدولة.
أما “التساكن” بين “حزب الله” وسلاحه وبين حرب إسرائيل بالتقسيط، فإنه “ستاتيكو” يؤذي “الحزب” ولبنان ويترك للعدو حرية العمل جوًا وبحرًا وبرًا. وأما مرحلة ما يسميها كارل ميردال “الدولة الرخوة”، فإنها انتهت في لبنان. والمشكلة أن الجميع يبدون من مدرسة ماكيافيللي القائل: “القوة هي المحور الذي يدور حوله كل شيء”.