بقلم محمود شعيب – كاتب وناشط سياسي
إنّ مقتل شخصيات سياسية واجتماعية من أبناء الطائفة الشيعية لا يمكن اعتباره حادثة عابرة، بل هو انعكاس لواقع خطير فُرض على هذه الطائفة التي كانت ولا تزال ركناً أساسياً في صياغة هوية لبنان وحماية وحدته. لقد بات من الواضح أنّ الطائفة الشيعية، بما تملكه من طاقات بشرية وكفاءات فكرية ووطنية، أسيرة هيمنة خارجية تتحكم بمصيرها وتكبّل قرارها.
لقد عملت أدوات إيران في لبنان على رهن الطائفة لمصالحها الخاصة ولمصالح إيران، محوّلة أبناءها إلى وقود لمعارك لا شأن لهم بها، ومستخدمة سلاحها ونفوذها لتأمين امتيازاتها ورواتبها الشهرية. فصارت الطائفة، بفضل هذه القلة المستفيدة، مرتهنة لمشروع لا يمتّ إلى الدولة اللبنانية بصلة، بل يقوم على تقويضها وإضعاف مؤسساتها.
ولم يقتصر الأمر على مصادرة القرار السياسي، بل تعدّاه إلى ملاحقة كل صاحب فكر حر ورأي مستقل داخل الطائفة. فمن يجرؤ على الاعتراض أو المطالبة بخيار الدولة يُواجَه بالتخوين والتشهير والتهديد، وكأنّ الولاء لإيران بات شرطاً للانتماء إلى الطائفة. وهكذا تحوّل السلاح من أداة مقاومة إلى وسيلة قمع تُكمّم الأفواه وتكسر إرادة الناس.
غير أنّ الحقيقة التي يحاولون طمسها هي أنّ الغالبية الساحقة من أبناء الطائفة الشيعية تقف مع الدولة، مع القانون، ومع مشروع لبنان السيد الحر المستقل، وأنّ الخارجين عن القانون لا يمثّلون سوى قلّة قليلة تحاول فرض وصايتها بالترهيب والتضليل.
إنّ الطريق إلى تحرير الطائفة الشيعية يبدأ من إعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة: قضاء مستقل شجاع يقتصّ للضحايا ويكشف الحقيقة بلا خوف أو خضوع، وقوى أمنية فاعلة تُطهَّر من الفساد والتقاعس لتستعيد دورها الطبيعي كحامية للناس لا أداة بيد المتسلّطين. عندها فقط يستعيد أبناء الطائفة حريتهم وكرامتهم، ويصبحون شركاء حقيقيين في دولة العدالة والسيادة.
ولعلّ النقطة المفصلية التي يجب أن يدركها كل لبناني يطمح إلى التغيير، أنّه لا إمكانية لأي مشروع إصلاحي حقيقي في لبنان من دون تغيير داخل الطائفة الشيعية نفسها وتحرير قرارها السياسي من الارتهان. فهذه الطائفة بحجمها وثقلها ودورها الوطني تشكّل حجر الزاوية في أي محاولة جدية لإنقاذ لبنان، وأي تغيير يتجاوزها أو يتجاهلها لن يكتب له النجاح.
إنّ الخيار اليوم واضح: إمّا أن تبقى الطائفة الشيعية أسيرة رهانات الخارج وأدواته، وإمّا أن تتحرر لتستعيد مكانها الطبيعي في قلب الدولة اللبنانية، كقوة وطنية حرة ترفض الخضوع للإملاءات، وتتمسك بالعدالة والعيش المشترك والسيادة.