ضَحايا “حزب الله” : البِيئةُ المُنتظِرة

بقلم بلال مهدي

خيبة أمل عميقة تعصف بالبيئة الشيعية الموالية لـ”حزب الله”، بعدما تبيّن أن إيران التي طالما قدّمت نفسها كـ”الأم الحنون” والحاضنة، لم تعد تملك ما تمنحه سوى الخطابات والشعارات.

سنوات طويلة عاش خلالها جمهور “حزب الله” على وقع الوعود بأن المال الإيراني سيبقى يتدفّق بلا انقطاع، وأن أي حرب أو مواجهة مع “العدو الصهيوني” ستجد في طهران سندها المالي والعسكري والسياسي. إلا أن الوقائع الأخيرة أثبتت أن ما بُني على سراب قد تلاشى، وأن الدعم الموعود تحوّل إلى سراب آخر يلاحقونه دون جدوى.

هذه “البِيئةُ المُنتظِرة” لم تعد اليوم تنتظر الإمام الغائب كما يعد الخطاب العقائدي، بل أصبحت تنتظر الكاش المفقود. غير أن هذا الكاش لن يأتي، فقد تبخرت وعود التعويضات، وغاب المال الذي اعتاد الناس أن يقيهم آثار الحروب والتضحيات، ليجدوا أنفسهم أمام إيران متعبة، لا تملك سوى الكلام، فيما الأوضاع المعيشية في لبنان تنهار بشكل غير مسبوق.

لقد انتظر جمهور “حزب الله” أن تفتح طهران خزائنها لدعمهم بعد سنوات من الحروب والرهانات الخاسرة، لكن إيران التي تواجه حصارًا اقتصاديًا وعقوبات دولية وانهيارًا في قدرتها المالية، لم تعد قادرة إلا على توزيع البيانات والدعم المعنوي. أما الأموال التي رُوّج لها طويلاً كتعويضات حرب الإسناد، فقد طارت إلى غير رجعة، وترك الناس يواجهون الفقر والعوز وسط شعارات جوفاء.

تُظهر الوقائع أن إيران استنزفت بيئتها في لبنان، وحوّلتها إلى رهينة لمصالحها الإقليمية، ولم يعد بإمكانها أن تقدّم سوى وعود مؤجلة، أشبه ببيع الوهم. أما الجماهير التي اعتادت على صورة “المقاوم المدعوم”، فقد وجدت نفسها اليوم أمام حقيقة مرّة، لا سلاح يُطعم خبزًا، ولا شعارات تُسدد فواتير الكهرباء والدواء والتعليم. ومع تصاعد الأزمات الاقتصادية، لم يعد في يد “حزب الله” سوى خطاب تعبوي يحاول التغطية على عجزه وفقدان راعيه الإيراني القدرة على التمويل.

إن “البِيئةُ المُنتظِرة” اليوم أمام منعطف تاريخي. فقد بات واضحًا أن إيران خذلتها، وأن المراهنة على دولة تعاني أصلًا من اختناق اقتصادي وسياسي لم يعد مجديًا. وحده الاعتراف بالدولة اللبنانية وبمرجعيتها الجامعة يمكن أن يشكّل بداية حل حقيقي. فلبنان ليس ساحة ملحقة بإيران، ولا شعبه مجرّد أوراق ضغط في لعبة إقليمية، بل وطن مستقل له سيادة يجب أن تُحترم.

الخاتمة الطبيعية لكل هذه الخيبات تكمن في إدراك أبناء هذه البيئة، خصوصًا شيعة إيران في لبنان، أن خلاصهم لا يمكن أن يأتي من طهران التي لم تعد قادرة على إعالتهم ولا على تلبية أبسط احتياجاتهم.

الحل الوحيد هو العودة إلى الدولة اللبنانية والاعتراف بها مرجعًا وحيدًا، والتخلي عن الأوهام العقائدية والولاءات الخارجية. حينها فقط يمكن أن تتحرر “البِيئةُ المُنتظِرة” من قيود الانتظار، وتستعيد دورها كمكوّن لبناني أصيل يسهم في بناء وطنه بدلًا من استنزافه في رهانات الآخرين.

اخترنا لك