“المفتن” قبلان

بقلم بلال مهدي

يبرز في المشهد الديني والسياسي الشيعي، اسم المفتي أحمد قبلان كواحد من أكثر الشخصيات إثارة للجدل، ليس فقط بسبب مواقفه المتقلبة، بل بسبب طريقة أدائه التي جعلت منه أشبه بـ”مفتن” لا بمفتٍ.

خطبه ومداخلاته العلنية كانت دائمًا مرآة للتعليمات التي يتلقاها، تارةً يهاجم البطريرك بشارة الراعي بحدة غير مسبوقة، وتارةً يهادنه بكلمات محسوبة، ثم يعود لينقض ما قاله بعد أيام قليلة، وكأن كل ما يخرج منه ليس سوى انعكاس لمزاج سياسي خارجي لا علاقة له بروح الدين أو مقاصده.

ليس من الغريب أن يزور قبلان الصرح البطريركي في بكركي متظاهرًا بالانفتاح والحوار، ليعود بعد الزيارة ويشن حملات هجومية على الراعي وكأن شيئًا لم يكن. هذا الفصام الخطابي، الذي يجمع بين المواربة والعدوانية، لا يمكن تفسيره إلا في سياق التبعية المطلقة للتعليمات السياسية التي تحكم سلوكه وتوجهاته. وهنا تكمن المأساة. أن يفتقد رجل معمم إلى ثبات الموقف، ويتعامل مع المنابر الدينية كمنصات سياسية متحركة، إنما يسيء إلى صورة الطائفة قبل أي طرف آخر.

الفصام العقلي الذي يعيشه “المفتن” قبلان ليس حالة فردية بل انعكاس لتدني المستوى العام عند كثير من المعممين الذين يتصدرون المشهد الشيعي اليوم. الطائفة، التي أنجبت أعلامًا كبارًا في العلم والفكر والدين، ابتُليت بأشباه رجال يسيطرون على مؤسساتها، وفي مقدمها المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى. هؤلاء لا يستحقون الرتبة الدينية التي اغتصبوها، فيما حُرم منها خيرة أبناء الطائفة من العلماء الأجلاء الذين لم يساوموا على قناعاتهم ولا ارتهنوا لإملاءات الخارج.

والمصيبة الكبرى أن هؤلاء الذين يتشدقون بالدين، كانوا أول من فرّط بأملاك المجلس الشيعي الأعلى، وأعطوها بثمن بخس الى “زليخة”، قبل أن تُعيد تأجيرها بملايين الدولارات. فسادهم لم يتوقف عند حدود الأملاك والأوقاف، بل تمدد إلى المحاكم الجعفرية حيث يخضع القضاة فيها لإرادة الحاكم السياسي، بدل أن يكونوا صوت الحق والعدل في مجتمع أنهكه الاستبداد.

السؤال الذي يطرح نفسه، إلى متى ستبقى الطائفة الشيعية منكوبة تحت رحمة تجار الهيكل، الذين يبيعون كرامتها بثمن بخس، ويستنزفونها لمصالح شخصية وحزبية؟ كيف يواجه هؤلاء ربهم، وهم الذين “يتكالبون” كل عام على زيارة بيت الله الحرام، وكأن مناسك الحج كفيلة بمحو ما اقترفوه من فساد وارتكابات خلال السنة؟

رحم الله الطائفة الشيعية بما أنجبت من أعلام حقيقيين حملوا رسالة الدين ورفعوا شأنها بين الطوائف. ورحمنا من أشباه الرجال الذين يلوّثون صورتها اليوم باسم علي (ع) ، ويقتاتون على الولاءات والفساد، غير مدركين أن ساعة الحساب آتية لا ريب فيها. اللهم ارحمنا وارحنا منهم، ومن الوارثين لفسادهم جيلاً بعد جيل.

اخترنا لك