بقلم ساطع نورالدين
ما بدأ بشكل خاطئ، لا ينتهي إلا بشكل مخادع. سلاح مخيم برج البراجنة، الذي يفترض انه ينزع الآن من أصحابه، هو أشبه بتواطؤ غير موفق، بين الحكومة اللبنانية وبين السلطة الفلسطينية في رام الله، لن ينطلي على أحد، لا في بيروت ولا في تل ابيب، ولا حتى في واشنطن، التي سارع موفدها طوم براك، الى اصدار شهادة حسن سلوك، سابقة لاوانها.
ثمة منفعة مشتركة جرى تبادلها من جانب السلطتين، في فترة حرجة جداً لكل منهما، وهي لا تعبر عن النوايا الحسنة، ولا تخدم مسار إنهاء ظاهرة السلاح غير الشرعي في لبنان، التي تشكل عنوان المرحلة اللبنانية، بقدر ما تمثل هدفاً مركزيا لسلطة رام الله، في استعادة حصرية السلاح الفلسطيني أينما كان، في الداخل او في مخيمات الشتات، وإسترداد حصرية القرار الوطني الفلسطيني من خصومها الكثر، وعلى رأسهم حركة حماس..وهو ما إنساقت إليه الحكومة اللبنانية، عندما استجابت لعرض متكرر قدمه الرئيس محمود عباس خلال زيارته بيروت قبل أربعة أشهر.
القرار فلسطيني، ولم يكن لبنانياً، وهو صادر عن رام الله وحدها، ويحاول ان يحل مشكلتها المستعصية مع مخيمات لبنان، وأسلحتها ورواتبها ومخصصاتها، ويزعم الاسهام في تكريس شرعية الدولة اللبنانية وحصرية سلاحها، بعرض مسرحي مدروس، فتسلم لبنان، جزءاً بسيطاً من الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من مخيم برج البراجنة ، الموبوء أصلا بعصابات الجريمة والمخدرات والدعارة، المتصلة أساساً بمثيلاتها في الضاحية الجنوبية..وتخففت سلطة رام الله من عبء هذا المخيم ، الذي قد لا تتمكن من استعادته يوماً، ولا تستطيع ان تهديه الى الدولة اللبنانية.
الخطورة الرمزية، التي سرعان ما تنصلت منها حركة “فتح” نفسها، وأثارت حفيظة بقية الفصائل الفلسطينية، لأنها لم تكن مرفقة بحوار حول الحقوق والواجبات الفلسطينية في المخيم وفي لبنان عموماً، لا تعني أن السلاح يقع ضمن هذه الحقوق أبداً، ولا تجيز المساومة عليه. وهو ما لا يقبله الفلسطينيون أنفسهم، لاسيما سكان مخيم برج البراجنة، الذين كانوا وما زالوا يصلون ليل نهار للتخلص من هذا السلاح ومن حامليه.
لكن ما جرى يوحي بانها خطوة الى الوراء، لا تجدي نفعاً حتى في ممارسة ضغط نفسي لتسليم ما تبقى من سلاحه الى الدولة اللبنانية، وهو أمر يحظى بغالبية تفوق الثلثين من الحكومة اللبنانية والرأي العام اللبناني. وهذه النسبة ترتفع حتما عندما يصل القرار الى السلاح الفلسطيني، الذي لم يعد له غرض سوى الفتنة الداخلية بين الفلسطينيين في لبنان، وهو لذلك لا يندرج في الحسابات الإسرائيلية، كبند رئيسي على جدول الاعمال.
والحال ان لبنان يندفع نحو الغرق في تلك الفتنة، في الوقت الذي يفترض ان يتخطى الفتنة الداخلية الخاصة بسلاح حزب الله. وهو يقدم هدية مجانية، سابقة لاوانها لسلطة رام الله، التي لم يعد يعرف موقعها ومشروعها، عدا التسبب في الاقتتال الفلسطيني، الذي لا بد أن يظل لبنان بمنأى عنه بأي شكل من الاشكال، وعدم الانجرار الى داخل المخيمات الفلسطينية، لفرض سلطة مشروعة ومكتسبة ومسلم بها من جمهور اللاجئين الفلسطينيين.
تقديم مثل هذه الخدمة المجانية من دون مقابل الى الرئيس محمود عباس، وورثته المحتملين، خاطئ بكل المعاني. ولن يحصل لبنان مقابل هذه الخدمة، لا على تحميل سلطة رام الله المزيد من المسؤولية، الإنسانية بالحد الأدنى، عن مخيمات لبنان، بل على مسرحيات غير مقنعة، تعزز هيبة الدولة اللبنانية، بينما هي في الواقع تضعفها، وتضعها في مسار تصادمي مع بقية فصائل المعارضة الفلسطينية، التي لم يعرف عنها أنها تتمرد، أو تعارض قرار نزع السلاح اللبناني والفلسطيني.
نزع السلاح غير الشرعي قرار لبناني مقدس، لا رجوع عنه، ولا جدال فيه. لكن تنفيذه يتطلب جدية أكبر وصدقية أشد.