بقلم بلال مهدي
لا جديد في أسلوب المحور الإيراني وأتباعه حين تتحوّل كل واقعة سياسية أو أمنية لا تصبّ في مصلحتهم إلى شماعة للعمالة والتخازل. الأقلام المأجورة نفسها التي تقتات على خطاب التخوين لا تكلّ ولا تملّ من نسج مؤامرات وهمية من خيال المتأيرنين، مترافقة مع حملات تهدر دم كل من يرفض تصديق الأكاذيب الإيرانية التي ارتفعت وتيرتها بعد حرب الإسناد.
الحدث الأخير المتمثّل بالإفراج عن “الفلسطيني” صالح أبو حسين، من عرب الداخل الـ 48، ويحمل الجنسية “الإسرائيلية”، كان كفيلًا بإطلاق حملة شعواء ضد القيادات السياسية والأمنية، متهمةً إيّاها بالخيانة والعمالة.
لكن الحقيقة التي يتعامى عنها هؤلاء أنّ ما جرى ليس الأول من نوعه، بل نسخة طبق الأصل عن واقعة سابقة في 30 كانون الأول 2021، حين أفرج الأمن العام اللبناني، وبعهد اللواء عباس إبراهيم، عن مواطن “إسرائيلي” دخل خلسة إلى لبنان، وبالترتيبات نفسها التي اعتمدت مع أبو حسين. يومها لم تكن خيانة ولا عمالة، فلماذا أصبحت اليوم كذلك؟
المفارقة أنّ معايير التخوين لدى هذه المنظومة تُدار وفق جدول “غبّ الطلب”، تبعًا لمصلحة المحور وأولوياته. ما كان مقبولًا بالأمس يصبح اليوم جريمة كبرى، وما يُعدّ تعاونًا مشروعًا مع المؤسسات الدولية يصبح فجأةً مؤامرة. ازدواجية لا تنطلي على أحد، لكنها تكشف حجم الانهيار الأخلاقي والسياسي لدى أبواق تبرّر كل شيء حين يخدم مشروعها، وتجرّم كل شيء حين يحرجها.
الواقع أنّ من يتّهم شركاء الوطن بالعمالة هم أنفسهم الغارقون في عمالة علنية ومعلنة لإيران ومشروعها، وهم الذين يضعون مصالح لبنان في ذيل أولوياتهم مقابل الانصياع لتعليمات ولاية الفقيه.
يكفي التذكير بأنّ الناطق الرسمي باسم جيش العدو “أفيخاي أدرعي” نفسه غرّد معلنًا أنّ المواطن “الإسرائيلي” أعيد من لبنان عبر معبر رأس الناقورة، وبالتنسيق مع قوات “اليونيفيل”. فإذا كان هذا التنسيق الأممي خيانة وعمالة، فلماذا شاركوا هم أنفسهم فيه سابقًا؟
لبنان يحتاج إلى صراحة، لا إلى ادّعاءات غبّ الطلب. يحتاج إلى قيادات مسؤولة تعترف أنّ التخوين لن يبني وطنًا، وأن استسهال اتهام كل معارض بأنه “عميل” ليس سوى سلاح صدئ يُستخدم للتغطية على فشل المشروع الإيراني في لبنان.
وحدها الحقيقة تفضح أن عمالة غبّ الطلب ليست إلا وجهًا آخر للتبعية الكاملة التي يعيشها أيتام هذا المحور، والتي تجعل من كل موقف حرّ تهديدًا، ومن كل كلمة صادقة جريمة.