التفاهم “السوري – الإسرائيلي” : سقوط الأقنعة وحق لبنان بالسلام

بقلم ميراز الجندي – كاتب ومحلل سياسي

في ظل المتغيّرات المتسارعة إقليميًا، برز إلى الواجهة حديثٌ عن تقارب أو تفاهم بين النظام السوري وإسرائيل، في خطوة تُعدّ – إن صحّت المعطيات – تحوّلًا مفاجئًا وجذريًا في مشهد طالما بُني سابقًا على العداء المعلن والشعارات الرنّانة.

اللافت ليس فقط محتوى هذه التسريبات، بل ارتداداتها على محورٍ كاملٍ من التنظيمات والمجموعات التي لطالما اعتاشت على الصراع، ورفعت راية “الممانعة” والعداء الوجودي لإسرائيل، لتبرير مشاريعها وممارساتها السلطوية.

هؤلاء، من أحزاب تعتاش على الصراع الديني وميليشيات مذهبية، وجدوا في القضية الفلسطينية غطاءً أيديولوجيًا لتحطيم الداخل العربي، وتعزيز سطوتهم، وربط أوطانهم بمشروع ولاية الفقيه الإيراني.

إن الجنوح إلى التسوية والسلام أو تفاهم سلمي بين دمشق وتل أبيب، سيُسقط الأقنعة، ويفضح نفاق تجار الشعارات، لا سيما أنهم أمضوا عقودًا في قمع شعوبهم وابتلاع القرار الوطني، بينما كانت حدودهم مع العدو “الوجودي” هادئة وصامتة.

وفي خضم هذه التحولات، لا بد من التأكيد أن لبنان يمتلك كامل الحق في الولوج إلى مسار السلام، استنادًا إلى “مبادرة السلام العربية” التي أقرتها القمم العربية منذ عام 2002. فهذه المبادرة تُعطي الدول العربية، ومن ضمنها لبنان، الحق في السعي لعلاقات قائمة على احترام السيادة والمصالح المشتركة، مقابل انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة وحلّ عادل للقضية الفلسطينية.

أما على المستوى القانوني، فإن لبنان مُلزم باتفاقية الهدنة الموقعة عام 1949، وتفعيل هذه الاتفاقية يشكل خيارًا سياديًا مسؤولًا لحماية الجنوب اللبناني، ووقف الانتهاكات، وترسيخ السلم خارج منطق الميليشيا وحروب المحاور.

السلام ليس استسلامًا، بل قرار سيادي، ورؤية استراتيجية. ولبنان، إذا ما أراد فعلاً أن يبني دولة العدالة والمؤسسات، فعليه أن يتحرر من وصاية السلاح غير الشرعي، وأن ينخرط من موقعه كدولة ذات سيادة في المشهد الإقليمي الجديد، رافضًا أن يكون ساحةً لحروب الآخرين أو صندوق بريد لمحاور متخلفة.

أما التنظيمات التكفيرية، وتلك التي تسلّحت بالدين لتبرير القتل والدمار، فستكون أمام مأزق وجودي؛ لأن خرافة “التحرير” التي استخدموها ستنهار أمام مشهد سلامٍ أو تسوية، تُظهر كيف استُخدم الدين مطيّة، والدم تجارة.

ختامًا، التفاهم السوري – الإسرائيلي، إن وُقِّع، لن يُغيّر فقط معادلات الإقليم، بل سيُسقط آخر أوراق الجل الممانع، ويُعيد توجيه البوصلة نحو الدولة، والسيادة، والكرامة الحقيقية.

اخترنا لك