بقلم خلود وتار قاسم
تُصرّ البشرية، حتى اليوم، على إنفاق المليارات في صناعة الأسلحة وتغذية الحروب وتوسيع المقابر الجماعية، بدل أن تستثمر هذه الأموال في التعليم والبحث العلمي والفنون. السؤال البديهي الذي يفرض نفسه هنا، لماذا يختار المجرم قتل الآخرين؟ ولماذا تلجأ دول قوية اقتصاديًا إلى محو مجتمعات بأكملها؟
الحجة الجاهزة غالبًا هي الفقر، أو التوصيفات المعلبة كـ”الإرهاب”. لكن الحقيقة أعمق من ذلك. الشعوب تُباد لا لضعفها، بل لأنها تملك قوة بشرية وجينات قادرة على المنافسة، ولأنها تحمل إمكانات تجعلها تهديدًا وجوديًا للمستعمر. إنها مفارقة العالم القاسي: الخوف من قدرة الإنسان على النهوض.
بالأمس، كنت شاهدة على ما يمكن أن يحدث عندما يُستثمر في الإنسان بدل إلغائه. في قاعة الأسامبلي هول بالجامعة الأميركية في بيروت، أُقيم حفل موسيقي إحياءً لذكرى الموسيقار زكي ناصيف. الأمسية أحيتها مجموعة من الشباب ضمن مبادرة “كمنجاتي”، التي أطلقها شاب فلسطيني قرر أن يذهب إلى مخيم برج البراجنة، يجمع الأطفال، ويعلمهم الموسيقى والغناء. هناك، ارتفع صوت الفن في وجه رصاص القتل، وصارت الألحان رسالة حياة تقول “نحن هنا، لنا حق الوجود”.
المشهد كان أكثر من احتفال موسيقي، كان درسًا عميقًا في جدوى الاستثمار في من يراهم البعض عالة على المجتمع. التعليم، الفن، والفرص الحقيقية للعمل، كلها أدوات قادرة على تخفيض معدلات الجريمة، وصناعة وعي جديد بخطورة الإنجاب غير المسؤول، وتحويل الشباب من قنابل موقوتة إلى طاقات خلاقة تنهض بالمجتمع بدل أن تحرقه.
وكما قال نيلسون مانديلا: “التعليم هو أقوى سلاح يمكنك استخدامه لتغيير العالم”. وأضاف فيكتور هوغو قبل أكثر من قرن: “من يفتح باب مدرسة يغلق باب سجن”.
إنها معادلة لا تحتاج إلى عباقرة لفهمها، حيثما يُزرع الوعي ويُحتضن الإبداع، يذبل التطرف، ويُدفن الحقد، ويعلو صوت الحياة. الاستثمار في الإنسان ليس ترفًا، بل هو الحل الوحيد لإنقاذ إنسانيتنا من الانتحار البطيء.