وقاحة المواقف… من بُشرى الخليل إلى التشكيك بالثوابت

بقلم مارون مارون

لم يعد مُستغرباً أن يخرج بين الحين والآخر صوت نشاز يحاول النيل من المرجعيات الوطنية والثوابت السيادية. لكن ما صدر عن المحامية بُشرى الخليل في الآونة الأخيرة لا يمكن أن يُدرج إلا في خانة الوقاحة السياسية الموصوفة، حين اعتبرت أنّ بكركي ليست سيادية، وأن مواقفها صهيونية.

أي منطق تتحدث فيه، وأي عقل سياسي يسمح لنفسه أن يهاجم الصرح البطريركي، الذي حمل على كتفيه هموم الكيان منذ ما قبل قيام دولة لبنان الكبير، والذي قدّم وما زال يُقدّم الصوت الوطني الأعلى في وجه كل مشاريع الهيمنة والتقسيم والاحتلال؟ إنّ بكركي التي قال فيها التاريخ: “مجد لبنان أعطي لها”، لم ولن تكون يومًا على قياس حسابات صغار السياسة وأصحاب الأجندات الملتبسة. بكركي هي حارسة لبنان الحرّ، لبنان السيادة والاستقلال، ومواقفها واضحة في وجه كل احتلال، من السوري إلى الإسرائيلي إلى الإيراني، وكل محاولة لجرّ لبنان بعيدًا عن حياده ودوره الرسالي. فاتهامها بالصهيونية لا يُسقط عنها شيئًا، بل يكشف عن مستوى الانحدار الذي وصل إليه بعض من يفترض أنّهم في خانة الدفاع عن الوطن، لا عن لاريجاني والحرس الثوري وكل مَن ساهم في خراب لبنان ودماره.

أما في ما خصّ هجوم بُشرى الخليل على وزارة الخارجية، فهو لا يقلّ تضليلاً. فهي ادعت أنّ الوزارة حولت المصادقات على الوكالات والوثائق الأجنبية من مبنى الوزارة إلى شركة LibanPost بشكل نهائي، وأن العملية كانت سابقًا تستغرق دقائق. وهذا كلام غير صحيح على الإطلاق. الحقيقة أنّ هذا الإجراء مؤقت ومرتبط بتجهيز المكاتب الجديدة داخل الوزارة لإعادة العملية إلى مكانها الطبيعي، لكن ضمن شروط لائقة تحفظ كرامة المواطن. فالوزارة تسعى لأن تتم المصادقات بطريقة حضارية، داخل قاعات مُجهّزة، بعيدًا عن مشهد الطوابير تحت المطر أو الشمس، وبعيدًا عن مهانة “السماسرة” الذين كانوا يُحاصرون المواطنين ويبتزونهم.

بمعنى آخر، ما قامت به وزارة الخارجية هو إصلاح تنظيمي هدفه تسريع المعاملات، احترام المواطنين، والحد من الفوضى التي كانت ترافق هذا النوع من المعاملات. فمن المُعيب أن يُقدّم هذا الإصلاح على أنّه مؤامرة أو فساد أو تعطيل، في حين أنّ جوهره تحسين الخدمة العامة.

إنّ مواقف بُشرى الخليل تكشف عن منهجية في قلب الحقائق، وتشويه صورة المؤسسات والمرجعيات، واستسهال التهجم على بكركي ووزارة الخارجية فقط لأنها لا تتماشى مع خياراتها السياسية الساقطة بسقوط المحور. لكنّ اللبنانيين باتوا يدركون جيّدًا أنّ مثل هذه المواقف لا تعبّر عنهم ولا عن تطلعاتهم، بل تعبّر عن مشروع عزلة وعن نهج تصفية حسابات سياسية ضيّقة.

لقد آن الأوان أن يُقال بوضوح: بكركي ستبقى مرجعًا سياديًا، ومواقفها ستبقى صوت الحق في وجه الاحتلال والوصاية، أما وزارة الخارجية فهي تعمل، رغم كل الصعوبات، على تطوير عملها وتحصين صورة الدولة. وأما المواقف الوقحة التي تشتم البطريركية وتشوّه الحقيقة، فلن تجد مكانًا إلا في مزابل الكلام السياسي، ومقرها لا بل عرينها في طهران، وصداها في بيروت عبر بُشرى الخليل ومثيلاتها من أيتام بقايا المحور… والسلام.

اخترنا لك