بقلم خلود وتار قاسم
@kholoudwk
بينما كنت أشاهد فيلمًا أمريكيًا هذا الصباح، ظهر على الشاشة تعبير قصير لكنه صاعق: “Tragedy sells” ــ “المأساة تباع”. توقفت عندها طويلًا. تساءلت كيف أصبح العالم بأسره يُدار من خلف الشاشات، الكبيرة منها والصغيرة، خاصة تلك التي لا تفارقنا لحظة؛ شاشات الهواتف المحمولة التي ترافق أنفاسنا. كل ما نراه ليس عشوائيًا؛ دائمًا هناك عقل يخطط، يد خفية تدفع، وجهة مقصودة يراد لنا أن نسلكها. وغالبًا ما تُصنع المأساة عمدًا لتكون أداة ضغط أو وسيلة تحريك للرأي العام، والنتيجة دائمًا كارثية على الشعوب، بينما يحصد أرباحها من صنعوها.
اليوم، لبنان ومنطقتنا والعالم بأسره يعيش فصولًا من مآسٍ لم يعرفها التاريخ بهذا الشكل من الوحشية والعريّ. ليست حكايات من نسج الخيال، ولا نصوصًا من هوليوود، بل وقائع دامية نتابعها بالصوت والصورة. وهنا يفرض الواجب نفسه علينا: أن نواجه هذه المأساة بإنسانيتنا، بالكلمة إن لم يكن بالسلاح، وأن نرفع صوتنا للدفاع عن الأطفال والنساء الذين يُقتلون بدم بارد، أمام أنظار دول طالما بشّرتنا بحقوق الإنسان، بينما هي اليوم تغضّ الطرف عن جرائم تُرتكب على الهواء مباشرة.
الأدهى والأمرّ، أنّ القاتل لا يكتفي بالجريمة، بل يختلق رواية يبرّر بها وحشيته. والأسوأ أنّ شعوبًا وأنظمة كانت تدّعي أنها منارات العدالة والقانون، تصطف خلف هذه الروايات، وتصمت عن دماء تُراق في وضح النهار.
من أعماق قلبي أصرخ: يا رب، ليس لنا سواك! اغفر لنا عجزنا وضعفنا، فنحن عاجزون عن استيعاب حجم هذه الفاجعة التي تفتّت القلوب.
كيف أستوعب مشهد الضحية؟ إنسانٌ يرى عائلته وأطفاله وجيرانه يُذبحون أمامه، ثم يقف صامدًا ويهتف: “من أجل أرضي، من أجل فلسطين!” أي قوة هذه؟ أي معدن هذا؟ هؤلاء ليسوا أنبياء ولا قديسين، إنهم بشر مثلنا، لكن إيمانهم بالأرض جعلهم أكبر منّا جميعًا.
وكيف أستوعب مشهد الجلاد؟ قاتل بوجه بشري” وبدلة حلوة وكرافات”، لكنه بلا روح، بلا ضمير، بلا قلب. يجزّ رقاب الأطفال وكأنّه يقطف ثمارًا، ويضحك متوهمًا أنّه انتصر، بينما لا يدرك أنّه مجرد أداة في مشروع استعماري قديم، تحرّكه مصالح شركات وجشع قوى اقتصادية لا ترى في الدم إلا وسيلة للربح.
إلى من يقرأ كلماتي: إن لم ترَ هذه المأساة كأنها مأساة تخصّك إنسانياً، فاسأل نفسك: هل ما زلت إنسانًا؟ أم أن الحكايات المصنوعة والإعلام الموجَّه سرقوا منك ببطء إنسانيتك، حتى بتّ تشبه آلة صامتة، تراقب ولا تشعر؟
أنا خلود وتار قاسم، ما زلت أتمسّك بإنسانيتي. وأنت… ماذا تبقى من إنسانيتك؟