بقلم عقل العويط
رسميًّا، هناك مجاعةٌ – وجماعيّةٌ – في غزّة فلسطين وفي فلسطين. ورسميًّا هناك الأطفال والأشعار والروايات والحكايات والأشجار والعصافير ونسائم الهواء والأجنّة والأرحام والأنهر والابتسامات والعجائز والصبايا والرجال والأرامل والملائكة والشيوخ والفتيان والمقابر وأرغفة الطابون وكلّ ذي روحٍ ومشاعرَ ودموعٍ يُهدَرون ويُستباحون ويُهانون ويعطشون ويُشرَّدون ويمرضون ويُصلَبون ويُسحَلون وييأسون ويموتون ويُقتَلون ويُستأصَلون ويُبادون… بسبب سوء التغذية والجوع والمجاعة.
ورسميًّا، فقد أعلنت الأمم المتحدة رسميًّا حصول مجاعاتٍ في قطاع غزّة، وتحديدًا في محافظة مدينة غزّة، وذلك للمرّة الأولى في تاريخ الشرق الأوسط.
ورسميًّا، وفي 22 آب/أغسطس 2025، أعلنت لجنة التصنيف المرحليّ المتكامل للأمن الغذائيّ IPC، وهي جهةٌ مدعومةٌ من الأمم المتحدة، أعلنت رسميًّا أنّ محافظة غزّة أصبحت تعاني من المجاعة (Phase 5 Famine) وفق معاييرها المعياريّة.
ورسميًّا، تشير التقديرات الرسميّة إلى أنّ أكثر من نصف مليون شخص (نحو 514 ألفًا) يعيشون في ظروف مجاعة، مع توقّعاتٍ رسميّة أمميّة بتوسّع الحالة نحو محافظات درّة الوسطى والجنوبيّة، مثل خان يونس ودير البلح خلال الأسابيع المقبلة.
ورسميًّا، تعني المرحلة الخامسة Phase 5 أنّ السكّان يموتون فعلًا بسبب الجوع أو بسبب سوء التغذية، وأنّ الأزمة لم تعد مجرّد نقصٍ في الغذاء بل دخلت مرحلة المجاعة الجماعيّة.
ورسميًّا، يتكوّن هذا النظام، نظام التغذية الطبيعيّة وسوء التغذية والمجاعة من 5 مراحل رئيسيّة:
المرحلة الأولى (Minimal) حيث الوضع يكون طبيعيًّا، وحيث يستطيع الناس تلبية حاجاتهم الغذائيّة الأساسيّة.
المرحلة الثانية (Stressed) حيث يصير الوضع مقلقًا، فتجد الأسر صعوبةً في الحصول على الغذاء، لكنّها لا تزال تؤمّن غذاءها الأساسيّ، مع تقليل نفقاتها الأخرى.
المرحلة الثالثة (Crisis) حيث يتحوّل الوضع إلى حالة أزمة، معبَّرٍ عنها بالفجوات الغذائيّة الواضحة أو بمعاينة استراتيجيّات سلبيّة للتكيّف معها، من مثل الاضطرار إلى بيع الممتلكات.
المرحلة الرابعة (Emergency) وهي حالة الطوارئ، حيث يشهد الوضع مستوياتٍ عالية من سوء التغذية والوفيّات، وتصبح القدرة على التكيّف محدودة جدّاً.
المرحلة الخامسة (Famine / Catastrophe)وهي حالة الكارثة، وتُعرَف بالمجاعة إذا طالت منطقةً جغرافيّة كبيرة، كما هو عليه الوضع في غزّة.
ورسميًّا، فإنّ معايير هذه الحالة الأخيرة دقيقةٌ للغاية، حيث يواجه على الأقلّ 20% من السكّان نقصًا شديدًا في الغذاء، وحيث يتجاوز معدّل سوء التغذية الحادّ 30%، وحيث يتجاوز معدّل الوفيّات يوميًّا 2 لكلّ 10,000 شخص.
ورسميًّا، والحالُ هي هذه، يجب ويجب ويجب، وبلا هوادة، وبلا تلكّؤ، وبلا تردّد، وفورًا، يجب وقفُ هذه المجاعة، ومنعها، ورسميًّا، وبكلّ السبل والأساليب المتاحة، وإنْ بالقوّة الرسميّة الأمميّة العارية.
ورسميًّا، هناك مَن يُهدِر ويستبيح ويهين ويُجوِّع ويُعطِّش ويُشرِّد ويُمرِض ويَصلب ويَسحل وييئِّس ويُميت ويقتل ويستأصل ويبيد.
ويجب رسميًّا أنْ تُسمّي الجهةُ الرسميّةُ التي تعلن المجاعةَ، يجب أنْ تسمّي الجهةَ والطرفَ والشخصَ والكيانَ والنظامَ والدولةَ والحكومةَ، وكلَّ مَن يظهره الواقع والتحقيق مسؤولًا عن المجاعة ومتسبِّبًا بها ومشاركًا فيها، مباشرةً ومداورةً، ونظريًّا وعمليًّا. وإلى آخره.
ورسميًّا، يجب إحالة الفاعل والفاعلين على العدالة الأمميّة، وفورًا، ومهما كلّف الأمر.
ورسميًّا، يجب أنْ تعلن الأمم المتّحدة أنّ الفاعل ليس مجهَّلا، ولا مجهولًا، وأنّه “دولة إسرائيل”، مادّيًّا ومعنويًّا. ورسميًّا يجب أنْ تتّخذ في حقّه الإجراءات اللازمة.
ورسميًّا، يجب أنْ تُرفَع يد “دولة إسرائيل” عن غزّة فلسطين، وعن فلسطين، لأنّ المجاعة هي فعل إبادة. ورسميًّا.