“السرايا” للمقاومة أم للاحتلال؟

بقلم عباس هدلا

في 28 تموز 2025 أصدرت “السرايا اللبنانيّة لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي”، بيانًا، رثت فيه الفنان الراحل زياد الرحباني، وفي 12 تموز 2024 أعلنت عن تنفيذ عملية عسكرية ضد القوات الإسرائيلية في موقع رويسة القرن في مزارع شبعا.

حمل هذا العنوان في مضامينه أكثر من فكرة مجموعة لبنانية أنشأتها جماعة “حزب الله” في أواخر عام 1997 لاستيعاب كل من يرغب في المشاركة في العمليات القتالية ضد إسرائيل، من غير أبناء الطائفة الشيعية ومن خارج الإطار التنظيمي لـ “حزب الله”، ولم يلبث دورها أن انتفى بعد إنجاز التحرير في أيار 2000، وبالتالي، عادت لتتحول إلى عنوان يبرز عند وجود حاجة لتظهيره أو الاستعانة به.

بعد عام 2005، وما رافقه من أحداث بدأت باستشهاد الرئيس رفيق الحريري وانطلاق ثورة الأرز والانسحاب السوري، بدأ مصطلح “سرايا المقاومة” بالعودة إلى الظهور كمجموعات أمنية وعسكرية تعمل لصالح “حزب الله” في المناطق اللبنانية خارج نفوذ “حزب الله” ولا سيما في الساحة السنية وتحديدًا في طرابلس وعكار وصيدا وإقليم الخروب ومنطقة العرقوب، وأحدثت الكثير من الإشكالات والفتن في تلك المناطق ومع القوى السياسية المتواجدة في تلك المناطق ولا سيما “تيار المستقبل”، فتحوّلت إلى مصدر قلق للناس الآمنين وطابور خامس، وتحوّر دورها من مقاومة احتلال إلى قوة فتنة واحتلال.

التأسيس والدور

بحسب الجزء الثاني من كتاب “تاريخ شيعة لبنان من الماضي الغامض إلى المستقبل المجهول” الصادر عن “أمم للتوثيق والأبحاث” عام 2023، شهد عام 1997 إعلان “ثورة الجياع” من قبل الأمين العام الأسبق لـ “حزب الله” صبحي الطفيلي، ما ولّد إحراجًا لـ “الحزب” الذي كان يعمل على وثيقة عمل مشترك للأحزاب اللبنانية، تطوّر هذا الأمر نحو فكرة إنشاء مجموعة عسكرية غير شيعية بإشراف “حزب الله” تقاتل إسرائيل جنوبًا، وتبلورت هذه الصيغة في 21 أيلول 1997حيث وعد أمين عام “حزب الله” السابق السيد حسن نصرالله في ذكرى شهداء جبل الرفيع في إقليم التفاح، بـ “طرح صيغة مرنة لدعوة اللبنانيين إلى الانخراط الجدي في المقاومة بشبابهم” وعزا الأمر إلى المعزين بنجله من كل الطوائف، بعضهم من لبنان وبعضهم الآخر من دول عربية وإسلامية، الذين طالبوه بالانخراط في صفوف المقاومة. وفي 3 تشرين الثاني وفي ذكرى أربعين نجله هادي، وبحضور عدد من نواب “حزب الله” وشخصيات وإعلاميين، أعلن نصر الله في مؤتمر صحافي في نقابة الصحافة عن ولادة صيغة “السرايا اللبنانيّة لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي” كصيغة موازية ومستقلة عن عمل “المقاومة الإسلامية” وسبقتها فترة من الدراسة والتدقيق وجمع الملاحظات لأجل التوصل إلى صيغة واضحة وجادة وفاعلة في ساحة المقاومة يكتب لها النجاح ولا تكون هدفًا سهلًا لإسرائيل واختراقاتها، ويتم الالتحاق بهذه السرايا كل من يتوافر فيه شرطان:

أن يكون قادرًا على المستوى العقلي والنفسي والجسدي.

ألا تكون حوله أية شبهات علاقة أو ارتباط مع العدو الإسرائيلي.

نفّذت “السرايا” عمليتها الأولى بتاريخ 14 آذار عام 1998 وحينها استهدفت موقع الاحتلال في بلدة “برعشيت” وحداثا. وقد أصدرت بيانًا جاء فيه: “لقد أردنا أن يسبق الفعل منا أي قول… واخترنا هذا اليوم بالتحديد لنؤكد أن العدو الإسرائيلي لا يفهم منطق القانون والقرارات الدولية، وأن هناك منطقًا واحدًا يفهمه هذا العدو هو منطق القوة… إننا نعلن ولادة السرايا اللبنانية لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي والتي دخلت ساحة النضال والجهاد بعد أشهر عدة من التحضير والإعداد والتأهيل… لتعبر عن ثقة اللبنانيين بكل طوائفهم بخيار المقاومة”، ونفذت حتى تحرير الجنوب عام 2000، 282 عملية.

بين المقاومة والفتن والاحتلال

مع أحداث 7 أيار عام 2008 وما تلاها من اضطرابات بدأ يعود اسم “السرايا” إلى الظهور ضمن إشكالات هنا أو توترات هناك، وخاصة بعد بداية الثورة السورية عام 2011 ولا سيما في المناطق السنية، إلى أن ظهر بشكل واضح عام 2013 في صيدا بمواجهة حركة أحمد الأسير وما رافقها من تشنجات وأحداث وتوترات ومعارك، أدت إلى وقوع ضحايا مدنيين وشهداء للجيش اللبناني في ما عرف بـ “أحداث عبرا”. وصف وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق تلك السرايا بـ “سرايا الاحتلال”، وقال خلال احتفال تكريمي لمفتي الجمهورية، الشيخ عبد اللطيف دريان في 16 آب 2016، إن “ما يسمونها سرايا المقاومة وكنا نسميها سرايا الفتنة، باتت سرايا احتلال. ولم ولن نقبل بها تحت أي ظرف من الظروف”.

يعتبر الكاتب السياسي أحمد الأيوبي أن أمين “حزب الله” السابق حسن نصرالله حاول خلال حرب الإسناد تلميع صورة تلك السرايا التي تشوّهت كثيرًا بفعل الإشكالات والفتن التي افتعلتها في مختلف المناطق اللبنانية ولا سيما في الشمال، وأضحت تسميتها بين الناس “سرايا الزعران” . فحاول نصرالله ذكرها في كلامه في كثير من المحطات، ولكن من دون أي نتيجة، وما لبث أن خفت هذا الأمر بفعل اشتداد المعارك وسير تلك الحرب، التي كان من نتائجها انقطاع الدعم المالي “الحزبي” عن أفراد تلك السرايا حتى بداية الشهر الحالي وعودة موضوع حصرية السلاح والتباين مع الحكومة. فأعاد “حزب الله” ربط مجموعات تلك السرايا في المناطق، ولا سيما المناطق السنية، وعاد إلى التمويل المالي التدريجي، ليكونوا جاهزين لأي عمل، يمكن أن يحتاج “الحزب” له في مواجهته في معركة تسليم أو سحب سلاحه، تبدأ بالأعمال الانتخابية، مرورًا بالإشكالات والحوادث الفردية والأعمال الفتنوية والأمنية وصولًا إلى الاغتيالات.

إذا كان موضوع تسليم أو سحب سلاح “حزب الله” يحتاج إلى التروي والتفكير والتحضير، فإن متابعة ومعالجة تلك المجموعات التي تؤرق الأهالي والأمن في مختلف المناطق اللبنانية باتت حاجة ملحة وضرورية لحفظ الاستقرار، وبالتالي وجب على الدولة اللبنانية وأجهزتها المبادرة في عملية تفكيك تلك المجموعات وإنهاء وجودها المسلح، وعدم التسامح في السماح لتلك السرايا بالعبث والتحول لقوة فتنة واحتلال.

اخترنا لك