الشرع يُنهي الصراع المذهبي والحزب عالق

بقلم أحمد الأيوبي

في مجلس عزاءٍ مشهود في الهرمل قال المسؤول الثقافي في “حزب الله” السيد فيصل شكر: “إنّ مشكلتنا ليست مع الذين صلبوا المسيح (اليهود) بل هي مع الذين قتلوا الحسين” (السُـنّة)، وهو الذي كان قد ظهر على منبر “المسيرة العاشورائية المركزية” ليخاطب “الذين يرددون كلمات نزع السلاح” بالقول: “سننزع أرواحكم”، وقد عكس شكر حقيقة توجهات “الحزب” بالإغراق في الفتنة المذهبية وبالتخلي عن جبهة الجنوب وتركيز قواه على جبهة الحدود الشرقية اللبنانية مع سوريا حيث يحشد قواه مستعينًا بفلول نظام بشار الأسد، بالتزامن مع حملة تخويف وترهيب لشيعة البقاع من السوريين.

في هذا المقلب يقف “حزب الله” متوترًا مستنفِرًا متشبثًا بخطابٍ مذهبي متهالك لم يعد يغري سوى سائقي الدراجات النارية وأصحاب شعار “السيكي لح لح”، بينما يتواجد وزير خارجية إيران عباس عرقجي في جدة ليُجري مباحثات مع القيادة السعودية ومع نظيره المصري، في مشهد يواكب التحولات الجارية، فيما “الحزب” عالق في شرنقة السلاح وغير قادر على مغادرتها، حتى عندما يحاول إحداث اختراقات سياسية، فإنّه يسعى إلى الالتفاف على الدولة اللبنانية لإجراء اتفاقات جانبية يعتقد أنّها ستحفظ له السلاح.

لكنّ الرئيس السوري أحمد الشرع أسقط بالضربة القاضية كلّ سردية “حزب الله” عندما قال خلال استقباله وفدًا إعلاميًا عربيًا إنّه “تنازل عن الجراح التي سبّبها حزب الله لسوريا” بعد تحرير دمشق، ورفض خيار المواجهة، مفضّلًا التأسيس لمرحلة جديدة تتسم بالاستقرار والتعاون، مضيفًا أنّ “الاستثمار السوري في الاستقطاب المذهبي والسياسة اللبنانية كان خطأً كبيراً بحق البلدين ولا يجب أن يتكرر”، وأنّ “لبنان عانى من سياسات الأسدين، والبلَدان بحاجة إلى كتابة تاريخ جديد وتحرير الذاكرة من الإرث الماضي”، مستخلِصًا أنّ “على لبنان أن يستفيد من نهضة سوريا، وإلا سيخسر كثيرًا”، مشددًا على أن العلاقة التي يتطلع إليها مع لبنان يجب أن تكون “من دولة إلى دولة”، بعيدًا من التدخلات والسياسات التي أساءت للطرفين في السابق.

هكذا يظهر المشهد ثلاثيّ الأبعاد: “حزب الله” غارق في خطاب مذهبي فاسد مبنيّ على نبش الأحقاد، مرجعيتـُه الإيرانية تبحث في كيفية الخروج من الخسائر الضخمة التي تلقتها في الإقليم وبعد الحرب مع إسرائيل، وسوريا الجديدة بقيادة أحمد الشرع تعلن انتهاء مرحلة الصراع المذهبي الذي أشعلته طهران في المنطقة العربية، و”يـُنـَفـِّسُ” كلَّ عنتريات “الحزب”، فلم يعد هناك مبرِّر للحشد على الحدود الشرقية، ولا لاستخدام فلول الأسد في وجه القوات السورية، ولم يعد هناك مكان لكلّ هذا الضجيج المشحون بكلّ أشكال الإساءة والتخوين للجميع بدءًا من أركان الدولة وصولًا إلى المعارضين الشيعة لهيمنة “الحزب” وبطشه بكلّ من يختلف معه في الموقف.

أضاف الرئيس الشرع مسمارًا قد يكون الأخير في نعش “حزب الله” المسلّح، وأسقط كلّ سرديته عن الخطر الآتي من سوريا عبر الحدود الشرقية، ولن يأكل السوريون الشيعة في بيوتهم كما خرج أحد المهرّجين صائحًا على شاشة المنار.

انتهى الصراع المذهبي… أقفله أحمد الشرع، وأعطى إنذارًا لـ “الحزب” ولأركان الدولة بأنّ تفويت الفرصة يعني خسارة لا يمكن تعويضها، فماذا سيفعل “الحزب”؟ هل باستطاعته الالتحاق بالمصالحة الإيرانية السعودية بعد أن فوّت الفرصة أول مرة… وهل بإمكانه الانتقال إلى البحث مع قيادته في طهران في حلّ لبناني على أساس تلاقي المصالح على إنهاء مرحلة الميليشيات والشراكة في بناء الدول، أم أنّ إيران تريد إبقاء ميليشاتها أوراقًا للحرق على مذبح المفاوضات؟

ما لا يريد الحرس الثوري و”حزب الله” والحوثيون في اليمن و”الحشد الشعبي” في العراق أن يصدِّقوه هو أنّ إيران تتجه إلى مرحلة جديدة ستكون شبيهة جدًا بالتحوّلات التي شهدتها وتشهدها المملكة العربية السعودية لكنّ التوقيت بانتظار محمد بن سلمان إيراني يقوم بتصفية الإرث الثقيل ويباشر مرحلة الاندماج بالمجتمع الإقليمي والدولي… وهذا بحثٌ آخر، لكنّ المُلِحَّ الآن البحث في سبل إخراج لبنان إلى مرحلة بناء الدولة المبنية على تطبيق اتفاق الطائف واستكمال بنوده الإصلاحية وبناء علاقة تكاملية مع سوريا الجديدة كأساس للنهوض.

اخترنا لك