بقلم خلود وتار قاسم
@kholoudwk
في المشهد اللبناني، لا يقتصر الاستعصاء على أزمات داخلية متراكمة، بل يتشابك مع تعقيدات إقليمية ودولية تجعلنا في موقع المتلقي لا الفاعل. فمن غزة إلى سوريا واليمن والعراق والسودان، تُرسم خرائط النفوذ والمصالح، فيما تتحرك القوى الكبرى – من الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا – إلى جانب القوى الإقليمية كالسعودية وإيران وقطر وتركيا، وفق أجندات واضحة لا تضع لبنان إلا في خانة ورقة تفاوضية قابلة للاستخدام والإهمال.
الخطأ القاتل أننا ما زلنا نُقنع أنفسنا بأن هذه القوى “حلفاء” أو “ضامنون” لمصالحنا الطائفية، بينما الحقيقة أن مصالحهم وحدها هي البوصلة. وعندما تتقاطع مصالح الكبار، نصبح كبش الفداء بلا تردد. إنها معادلة واقعية لا تحتمل العاطفة ولا الأوهام.
أما داخليًا، فالصورة أكثر قتامة بالأرقام:
الدين العام تجاوز 100 مليار دولار، أي أكثر من 150% من الناتج المحلي، ما يجعل لبنان من بين أكثر الدول مديونية في العالم.
الليرة اللبنانية خسرت أكثر من 98% من قيمتها منذ عام 2019، لتتحول رواتب الطبقة الوسطى إلى فتات.
البطالة ارتفعت إلى نحو 30%، وأكثر من 55% من الشباب يفكرون بالهجرة أو هاجروا فعلًا.
خلال السنوات الخمس الماضية وحدها، قدّر أن ما يفوق 400 ألف لبناني غادروا البلاد بحثًا عن أمان اقتصادي أو سياسي.
مؤشر الثقة بالمؤسسات الرسمية (الحكومة، البرلمان، الأحزاب) انخفض إلى أقل من 10% بحسب آخر الدراسات.
هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات؛ إنها إشارات واضحة على أن لبنان لم يعد موجودًا كفاعل مستقل حتى في معادلته المحلية. بلدٌ يهاجر شبابه، وينهار اقتصاده، وتُفقد فيه الثقة بالطبقة السياسية، لا يمكن أن يُعامل باحترام على الساحة الدولية.
لقد صدق القول السياسي القائل إن “السلام لا يُفرض إلا من موقع قوة”. فالضعيف لا يملك القدرة على فرض شروط السلام، بل يُفرض عليه ما لا يريده. ونحن بضعفنا وتشرذمنا، لا نملك قرارنا، ولا نحمي مصالحنا، ولا نرسم مستقبلنا.
لذلك، لسنا بحاجة إلى منجّمين لقراءة مصير لبنان. المشهد واضح: الاستمرار بالنهج الحالي يقود إلى العتمة وربما إلى الزوال. المخرج الوحيد هو بظهور جيل سياسي جديد يفاوض من أجل لبنان لا من أجل مقعد أو مصلحة شخصية، جيل يدرك أن القوة الحقيقية تبدأ من الداخل: من وحدة الشعب واستعادة ثقة المواطن بوطنه.
كما قال نزار قباني: الأعداء لم يأتوا من حدودنا، بل تسللوا من عيوبنا. وما لم نواجه عيوبنا ونغيّر أنفسنا، لن يُكتب لنا قيام أو استقرار.