بقلم د. عبد العزيز طارقجي
في حادثة جديدة تُضاف إلى سجل الفوضى واللاشرعية، أقدمت عصابة مسلحة من بلدة بريتال – تضم تجار مخدرات ومهربين مرتبطين بميليشيا حزب الله اللبناني، وبمشاركة عناصر متواطئة من الدرك – على خطف عائلة سورية مقيمة في لبنان. الهدف كان واضحاً: الابتزاز وفرض الخوات. هذه الجريمة لم تكن حادثة فردية معزولة، بل جزء من منظومة متكاملة من الفساد والعنف، تُدار من ميليشيات ونافذين يحولون لبنان إلى رهينة.
مسؤولية الدولة اللبنانية: الدستور في مواجهة العصابات
إن المادة 8 من الدستور اللبناني تنص بوضوح على أنّ “الحرية الشخصية مصونة وفي حمى القانون”، كما أن المادة 14 تكفل حرمة المساكن، والمادة 15 تحمي الملكية الخاصة. فكيف تُنتهك هذه المبادئ الدستورية على يد عصابات مسلحة تعمل تحت مظلة حزب سياسي يفرض سطوته على مؤسسات الدولة؟
وفقاً لـ قانون العقوبات اللبناني:
المادة 569 تُجرّم الخطف وتنص على الأشغال الشاقة المؤبدة إذا اقترن الابتزاز أو التعذيب.
المواد 627 وما يليها تجرّم تكوين عصابات أشرار تهدف إلى ارتكاب جنايات ضد الناس أو الممتلكات.
المادة 221 وما يليها تفرض على موظفي الدولة (ومنهم عناصر الدرك) عقوبات مشددة إذا ساهموا أو تواطؤوا مع المجرمين.
ومع ذلك، ما نراه هو العكس: حماية سياسية وأمنية لتجار المخدرات والخاطفين، مع صمت أو تقاعس من القضاء الذي يُفترض أن يكون الملاذ الأخير للعدالة.
حزب الله : دولة موازية تشرعن الجريمة
لم يعد خافياً أنّ حزب الله يحوّل مناطق مثل بريتال والبقاع إلى ملاذات آمنة لعصابات التهريب والخطف وتجارة المخدرات. هذه العصابات ليست فقط خطراً على الأمن الداخلي، بل هي أداة ابتزاز سياسي واقتصادي تُستخدم لإضعاف الدولة وتخويف المجتمع.
عندما يصبح الخاطف محمياً، والمهرّب مشرعناً، وتاجر المخدرات شريكاً في القرار الأمني، فإننا أمام تفكك لمفهوم الدولة، وانقلاب على العقد الاجتماعي الذي يقوم على حماية المواطنين والمقيمين.
أين الدولة اللبنانية؟
السؤال الجوهري :
أين القوى الأمنية من ضبط الحدود التي تُفتح على مصراعيها لتهريب المخدرات والسلاح؟
أين القضاء من محاسبة العصابات والمتواطئين معها؟
أين الدولة من التزامها وفق المادة 7 من الدستور التي تساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات وتُلزمها بحماية جميع المقيمين على أراضيها دون تمييز؟
مسؤولية الدولة لا تُجزّأ
إن ما جرى في بريتال ليس حادثة محلية، بل جريمة تمسّ السيادة اللبنانية وتكشف تحوّل بعض المناطق إلى “جزر خارجة عن القانون”. على الدولة اللبنانية، وفقاً لالتزاماتها الدستورية والقانونية، أن تتحرك فوراً عبر:
ضبط الحدود بشكل حازم.
تفكيك عصابات المخدرات والخطف دون غطاء سياسي.
محاسبة كل من يثبت تورطه، سواء من حزب الله أو من الأجهزة الأمنية.
إن أي تقاعس جديد سيُثبت أن الدولة شريكة في الجريمة بصمتها، وأن حزب الله ماضٍ في مشروعه بتحويل لبنان إلى دولة رهينة تُدار من الخارج وتُغذّيها اقتصاديات الجريمة.
* صحافي استقصائي و باحث في الانتهاكات الدولية لحقوق الإنسان