ساعة الصفر الدبلوماسية : كيف تحولت آلية الزناد من أداة للضغط إلى فتيل لانفجار شعبي في إيران

بقلم ميراز الجندي

في عالم الدبلوماسية النووية المعقد، هناك مصطلحات تقنية تبدو بعيدة عن حياة الناس اليومية، لكنها في الواقع تحمل في طياتها مصير أمم بأكملها. “آلية الزناد” أو “سناب باك” هي إحدى هذه المصطلحات. إنها ليست مجرد بند قانوني في قرار لمجلس الأمن، بل هي ساعة الصفر التي دقّت أخيراً، معلنة نهاية حقبة من الأوهام والمساومات مع نظام الملالي.

إن قرار القوى الأوروبية بتفعيل هذه الآلية ليس مجرد رد فعل على الانتهاكات النووية الصارخة للنظام، بل هو اعتراف دولي بأن هذا النظام لا يفهم لغة الحوار ولا يمكن احتواؤه.

هذه الخطوة، التي جاءت في أعقاب هجمات عسكرية كشفت عن هشاشة النظام وفشل المفاوضات، تغلق فصلاً من الدبلوماسية العقيمة لتفتح فصلاً جديداً وأكثر خطورة,،فصل المواجهة المفتوحة. لكن اللاعب الرئيسي في هذا الفصل الجديد لن يكون الدبلوماسيين في فيينا أو نيويورك، بل سيكون الشعب الإيراني نفسه، الذي يرى في هذه العزلة الدولية الفرصة الأخيرة لإنهاء كابوس أربعة عقود من الطغيان.

من الخداع إلى المواجهة: الطريق الذي أوصل إلى تفعيل آلية الزناد

لفهم لماذا وصلنا إلى هذه النقطة، يجب أن نتذكر أن آلية الزناد كانت في الأصل صمام أمان اقترحته روسيا لضمان التزام إيران بتعهداتها. لكن النظام الإيراني، وبدلاً من أن يرى في الاتفاق النووي فرصة لإعادة الاندماج في المجتمع الدولي وتحسين حياة شعبه، رآه مجرد غطاء لتوسيع برنامجه النووي السري وتمويل إرهابه الإقليمي.

منذ عام 2019، بدأ النظام في انتهاك التزاماته بشكل منهجي، ووصل إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، وهي درجة لا تملك أي مبرر مدني وتضعه على بعد خطوة فنية واحدة من القنبلة. وعندما جاءت الضربات العسكرية الإسرائيلية – الأمريكية في يونيو 2025، التي استهدفت قلب برنامجه النووي في نطنز وفردو وأصفهان، كان رد فعل النظام هو المزيد من التحدي، حيث علّق تعاونه مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. لقد أحرق النظام كل الجسور وأجبر القوى الأوروبية على الاعتراف بأن سياسة الحوار قد ماتت.

ردود فعل تكشف عن الرعب الداخلي

إن ردود فعل النظام على تفعيل آلية الزناد تكشف عن حجم الرعب الذي يعيشه. فوصف وزير الخارجية عباس عراقجي لهذه الخطوة بأنها “معادل لهجوم عسكري” ليس مجرد مبالغة دبلوماسية، بل هو اعتراف بأن هذه العقوبات، على الرغم من أنها ليست نفطية أو مصرفية بالدرجة الأولى، إلا أنها تخنق النظام وتعزله بالكامل، وتمنعه من تطوير برامجه الصاروخية والتسليحية.

والتهديد بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي هو ورقة أخيرة يلعبها نظام يدرك أنه فقد كل أوراقه الأخرى. لكن الأهم من ذلك هو أثر هذه الخطوة على الداخل الإيراني. فالتحذيرات الداخلية من أن هذه العقوبات ستؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية وزيادة السخط الشعبي هي اعتراف بأن النظام يخشى شعبه أكثر مما يخشى العقوبات الدولية.

الفتيل الذي سيشعل برميل البارود

وهنا نصل إلى جوهر القضية. إن الآثار الاقتصادية المباشرة لعودة هذه العقوبات قد تكون “قابلة للإدارة” كما يدّعي النظام، لأن العقوبات الأمريكية أشد وطأة. لكن الآثار النفسية والاجتماعية ستكون كارثية عليه. إنها الرسالة النهائية للشعب الإيراني بأن العالم قد تخلّى عن هذا النظام، وأن أي أمل في الإصلاح أو التحسن الاقتصادي في ظل حكم الملالي قد تبخّر تماماً. هذه الرسالة هي الفتيل الذي سيشعل برميل البارود الاجتماعي الذي تجلس عليه إيران. إنها ستكون الشرارة التي تحول الاحتجاجات المتفرقة ضد الغلاء والبطالة إلى انتفاضة وطنية شاملة تهدف إلى إسقاط النظام.

وفي هذا السياق، تكتسب مظاهرة السادس من سبتمبر في بروكسل أهميتها القصوى كرمز لهذا التحول. إنها لم تعد مجرد مظاهرة للمعارضة، بل أصبحت تعبيراً عن هذه الإرادة الشعبية المتنامية. إنها منصة لإعلان أن الشعب الإيراني لا يريد مجرد تخفيف العقوبات، بل يريد إزالة سبب العقوبات: نظام الملالي نفسه.

ستكون هذه المظاهرة هي العرض العملي “للخيار الثالث” الذي يتجاوز الدبلوماسية الفاشلة والتدخل العسكري. إنها ستعلن دعمها الكامل لخطة السيدة مريم رجوي ذات العشر نقاط، وهي الخطة التي تقدم رؤية لإيران ديمقراطية وغير نووية، إيران تكون شريكاً للسلام في العالم بدلاً من كونها مصدراً للتهديد. الرسالة من بروكسل ستكون واضحة: لقد دقّت ساعة الصفر الدبلوماسية، والعالم ينتظر الآن دقّة ساعة الصفر الشعبية في شوارع طهران. إن تفعيل آلية الزناد لم يكن نهاية القصة، بل كان بداية النهاية.

اخترنا لك