بقلم ميراز الجندي – كاتب ومحلل سياسي
@MirazJundi
لا تأتي الانتفاضات الكبرى من فراغ، بل من تراكمات الظلم والقهر والخذلان. وفي 6 أيلول 2025، سيدوّي صوتٌ جديد من خارج الحدود، من قلب الشتات الإيراني المنتشر حول العالم، مُعلِنًا بداية مرحلة جديدة من الصراع مع نظام الملالي في طهران؛ نظام الظلام السياسي والديني الذي اختطف شعبًا، وأذلّ أمة، وهدّد استقرار المنطقة لعقود.
الانتفاضة هذه المرة لم تأتِ من شوارع طهران أو أصفهان أو تبريز، بل من عواصم الغرب والشتات من بروكسل ، حيث بات صوت المعارضة الإيرانية أكثر نضجًا وتنظيمًا وجرأة. فالإيراني الذي هرب من القمع والمشانق بات اليوم حاملًا لقضية، لا لاجئًا صامتًا. والشعارات التي رُفعت ضد ولاية الفقيه لم تكن مجرد رد فعل، بل تعبير عن وعي سياسي واجتماعي ووطني يُدرك أن إيران تستحق مستقبلًا لا يتحكم به عمائم الحرس الثوري ولا حُكم العسكر المقنّع باسم الدين.
لا خصومة لنا مع الشعب الإيراني. بل على العكس، نُدرك جيدًا أن هذا الشعب هو أول ضحايا النظام القائم. خصومتنا مع المشروع التوسّعي، مع تصدير ما يسمى الثورات المذهبية، مع زرع الميليشيات، مع المتاجرة بالقضية الفلسطينية، ومع العبث بخرائط الدول العربية كما جرى في لبنان، وسوريا، والعراق، واليمن.
اليوم، الشعب الإيراني في الداخل والخارج يقول كفى. والشتات، الذي لطالما اعتبره النظام مجرّد “أبواق غربية”، يتحوّل إلى طليعة معارضة حقيقية، تملك أدوات التعبير والإعلام والضغط، وتحمل مشروع الدولة المدنية، الديمقراطية، الفاصلة بين الدين والسياسة، والحامية لحقوق كل الإيرانيين، دون تمييز.
ربما لن يسقط النظام بين ليلة وضحاها. لكنه بلا شك بدأ يتعرّى. شرعيته تتآكل، أدواته تتفكك، وسحر شعاراته الثورجية انكسر. والمشروع الذي أراد أن يجعل من طهران “عاصمة القرار العربي” سقط في مستنقع الكراهية والطائفية والفشل الاقتصادي.
إن 6 أيلول لن يكون مجرد تاريخ، بل نقطة تحوّل. مرحلة ما قبل وما بعد. وهو إعلان واضح من الإيرانيين أنفسهم بأن زمن الملالي قد شارف على الانتهاء، وأن الشرق الأوسط بحاجة إلى تحرر حقيقي يبدأ من طهران، لا من عواصم الوكالة التابعة لها.