بقلم وفيق الهواري
مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية وتكليف رئيس حكومة جديد، امتلأت خطابات القسم والبيانات الوزارية بوعود “استعادة دور المؤسسات” و”إعلاء سيادة القانون”. لكن ما لبثت هذه الشعارات أن تراجعت أمام المحاصصة السياسية، فكان لكل وزير نصيبه من المقاعد، وكلهم ادّعوا أنهم حماة المواطن وأعداء الفساد
غير أن الواقع في مؤسسات الدولة – والمستشفيات الحكومية نموذج صارخ – يكشف أن الفساد لم يعد استثناءً بل قاعدة، وأن المحاصصة لم تكتف بتقاسم السلطة، بل تسللت إلى سرير المريض.
مستشفيات تحت سطوة السياسة
تُفترض بالمستشفيات الحكومية أن تكون الملاذ الصحي لغير المضمونين والمحرومين من شبكات التأمين، لكنها تحوّلت عبر السنوات إلى أدوات بيد القوى السياسية والطائفية التي تتقاسم إداراتها وفق معادلة الولاء والزبائنية. “نجاح” أي مجلس إدارة لم يعد يقاس بجودة الخدمات الطبية، بل بقدرته على تحويل الفساد إلى سياسة عامة تشمل أكبر عدد من الموظفين، لتتحول الحماية المتبادلة بين الإدارة والعاملين إلى جدار يحمي الفساد المستشري.
سوبرماركت طبي
المستشفى الحكومي في صيدا، الذي يُفترض أن يكون صرحًا عامًا، تحوّل إلى “سوبرماركت طبي” يستفيد من أرباحه حفنة من الأطباء المحظيين. المفارقة أن وزراء الصحة المتعاقبين يعرفون تفاصيل ما يجري، لكنهم اختاروا الصمت بدل الإصلاح.
ومع التمديد الأخير للمجالس الإدارية، برّر أحد النواب الخطوة بأنها “خيار لا بديل عنه”، لأن تشكيل مجالس جديدة يحتاج إلى توافق سياسي… أي محاصصة جديدة. في صيدا، لم يبقَ من المجلس سوى ثلاثة أعضاء إلى جانب المدير العام، فيما يقاتل الموظفون من أجل نصف راتب شهري، بعقود عمل موقتة تُجدَّد كل ثلاثة أشهر، ومن دون ضمان صحي… بل حتى من دون حق الاستفادة من خدمات المستشفى الذي يعملون فيه.
بيع معدّات وغياب الشفافية
مع الحديث عن مجالس إدارة جديدة، سارعت الإدارة إلى “تنظيف” المستشفى ببيع معدات قديمة ومعطّلة، من آلات تصوير شعاعي إلى “كوفازات” الحضانة. حتى آلة “سكانر” معطلة بيعت في ظروف ملتبسة. السؤال: هل دخلت الأموال صندوق المستشفى؟ المؤشرات تقول لا.
وقبل ذلك، بيعت ثلاث سيارات إسعاف من دون وضوح في الفواتير. في المقابل، أجهزة أساسية مثل منظار المعدة ومنظار العيون معطّلان منذ سنوات، ما أجبر الأطباء على تحويل مرضاهم إلى مستشفيات مجاورة كسبلين.
أثقال على الموظفين
فيما العاملون ينتظرون نصف راتب بالكاد يسد الرمق، طلبت الإدارة من كل موظف دفع 13 دولارًا ثمن “كنزة موحدة”، ومؤخرًا دولارين إضافيين لإصدار بطاقة عمل. مؤسسة عامة غارقة في الفساد تحاول تحميل موظفيها أعباء مادية إضافية بدل أن تؤمّن لهم الحد الأدنى من الحقوق.
نفايات بلا رقابة
ملف النفايات الطبية يفتح بابًا آخر على الفوضى: الوزن يتم بعيدًا عن إشراف الإدارة، بيد الناقل ومساعده، ليقبضا المبالغ مباشرة. أحد العاملين علّق ساخرًا: “كيف لمستشفى يستقبل 25 إلى 30 مريضًا يوميًا أن ينتج نفايات تعادل مستشفى خاص؟”.
الأمر نفسه ينسحب على تزويد المستشفى بالأوكسجين الذي يتم بشكل دوري ومن دون أي مراقبة أو توثيق.
وزير الصحة لا تعنيه صيدا
وسط هذا المشهد الكارثي، يغيب الوزير المختص، مكتفيًا بجولات على مستشفيات المناطق الأخرى، متجاهلًا المستشفى الحكومي والمستشفى التركي في صيدا. في المقابل، أدرجت اللجنة الصحية في المجلس البلدي ملف المستشفى ضمن خطتها الاستراتيجية، لكنها بحاجة إلى “سماح سياسي” لتعمل بجدية.