“حوار” برّي الانقلابي : إلى الفتنة دُر

بقلم أحمد الأيوبي

كان خطابُ الرئيس نبيه بري الأضعف والأكثر وهنًا في تاريخ خطاباته في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر، فقد بدا عليه فقدان الطاقة على الإقناع وكأنّه يقول ما يقوله من باب رفع العتب، وهو الذي بدأ يفكر في مآلات الأمور في ظل انقسامات بيته الداخلي، كما يحاول تدارك الوضع الشيعي المنهار تحت وطأة العدوان الإسرائيلي المتواصل بسبب مغامرات “حزب الله” الآثمة، وفي مواجهة إجماع اللبنانيين الدستوري والسياسي والوطني حول معضلة السلاح غير الشرعي، بعد أن أصبح “الثنائي الشيعي” رمزاً للخروج على منطق الدولة وقواعد بنائها، فلم يجد “الأستاذ” سوى إخراج أرنب الحوار المتهالك والمستهلك، لكنّه لم يلق مجيبًا يشتري بضاعة كاسدة.

باختصار، يشعر “حزب الله” وحركة أمل بالاختناق الشديد داخل المؤسسات الدستورية فهم لا يتحمّلون العمل فيها لأنّها محكومة بمعادلات التمثيل السياسي الفعلي والرسمي ولأنّ زمن سيطرة “الثنائي” على مؤسسة مجلس الوزراء انتهى فعاد “الحزب” وبري إلى حجمهما الطبيعي، وسقطت كلّ عوامل البلطجة والتشبيح الأمني والسياسي، ولم يعد بإمكان “الحزب” و”الحركة” ابتزاز اللبنانيين… لهذا يقود بري عمليةً التفافية على حكومة نواف سلام، تحت عنوان المطالبة بطاولة حوار حول ما يسميه الاستراتيجية الدفاعية، من غير أن ينسى طرح شعارات رنانة، مثل الإشادة بالجيش ورفض الاصطدام به، لكنّ الغاية الأساس من الحوار هي العودة بالقرار إلى خارج مجلس الوزراء، حيث يمكن التلاعب بالتوازنات وفرض الوقائع.

أصبحت “الاستراتيجية الدفاعية” مصطلحًا منتهي الصلاحية بعد قرار الحكومة حصر السلاح بالدولة، خاصة أنّ الجميع جرّب كذب “الثنائي” في سلسلة الحوارات السابقة عندما كان “الحزب” و”الحركة” يلحسان توقيعهما، وخاصة إعلان بعبدا، لهذا جاءت دعوة بري الحوارية مشابهة لتلك التي سبق أن أطلقها كشرط لانتخاب رئيس الجمهورية، ورفضتها القوى السيادية وأسقطت تلك المحاولة البائسة.

يكذب “الثنائي” عندما يقول إنّه يريد تجنيب لبنان الحرب الأهلية، فهذه الحرب ليست موجودة إلّا في أوهام “الحزب” و”الحركة” وأبواقهما وجمهورهما، فالانشقاق من الجيش غير وارد، لأنّه بلا أفق، لا بل إنّ “الحزب” هو الذي يطلب دمج عناصره في المؤسسة العسكرية، وليس العكس، كما أنّ قيادة الجيش أعلمت الجميع بالتصدي الحازم لكلّ أشكال التخريب والشغب.

ما يفعله بري في طرحه الحوار أنّه ينقل الإشكال من إشكال إسرائيلي لبناني، إلى إشكال لبناني لبناني، في ما يمكن تشبيهه بأنّه أشبه بتظاهرة الدراجات النارية في الطريق الجديدة بدل التظاهر ضد الاحتلال الإسرائيلي في عيتا الشعب… فالمشكلة ليست لبنانية لبنانية لاستدعاء الحوار الانقلابي، وليست مع اللبنانيين دولة وأحزابًا، فلو افترضنا جدلًا أنّ الحكومة تراجعت عن قرارها التاريخي بحصرية السلاح في جلسة 5 آب ولو اتفق الجميع في طاولة الحوار على عدم تسليم السلاح… فهل سيحلّ هذا التوجه مشكلة لبنان ويحميه من العدوان الإسرائيلي ويؤدي إلى الاصطفاف الأميركي لصالح لبنان…؟

الواقع أنّ كل هذا لا ينفع ولا يغير شيئًا، بل إنّ التغيير الحقيقي يأتي من تغليب منطق الدولة وتسليم السلاح، وما يقوم به الرئيس بري اليوم هو تضليلٌ للشيعة، وسيأتي يوم يقول فيه “يا ما أحلى قرار وقف إطلاق النار قياساً على أيّ اتفاق جديد” كما تأسّف على اتفاق 17أيار…

سؤال آخر لا يقل أهمية عما تقدم: إذا لم ينفِّذ الجيش قرار الحكومة، فما هي النتيجة، ولمصلحة من يكون هذا المسار… فإذا كان الرئيس بري يعلم فتلك مصيبة، وإذا كان لا يعلم فالمصيبة أعظم.

ستُطلق الآلة الإعلامية الفاجرة لـ “الثنائي” خطاباً وحملات تخوِّن من لا يقبل حوار بري، وتعتبره خارجًا عن المصلحة الوطنية، وسيعاني اللبنانيون صداعًا من هذا المحتوى الهابط إلى أن يُصاب أصحابها باليأس منها، فيعودون للتهجم والتخوين لرئيسي الجمهورية والحكومة…

يرد “الثنائي الشيعي” كسر الدستور بطاولة حوار تتيح له فرض “دوحة جديدة” أو “نصف طائف جديد” والاحتفاظ بسلاحه حتى تاريخ الانتخابات لضمان حيازة جميع المقاعد الشيعية، وبالانتظار يستنفر الغرائز الطائفية ويحاول توريط الرئيس جوزاف عون بالحوار عبر بعض مستشاريه ومنهم محمد عبيد الذي صرّح أنّ الشيعة سيكونون في خطر وجودي إذا سلّم “حزب الله” سلاحه، في حين أنّ الخطر على الشيعة وكلّ اللبنانيين يأتي من سلاح الغدر والانقلاب والعدوان على العرب.

اخترنا لك