مسرح القوى العظمى أم بركان الشعب؟

كيف تعيد مظاهرة بروكسل تعريف التهديد الحقيقي للنظام في إيران

خاص بوابة بيروت

إن المشهد المحيط بالملف النووي الإيراني يبدو للوهلة الأولى وكأنه مسرح معقد للقوى العظمى، حيث تدور لعبة شطرنج دبلوماسية دقيقة بين أوروبا وأمريكا وروسيا والصين. ويمثل قرار تفعيل آلية “الاستئناف السريع” للعقوبات آخر نقلة استراتيجية في هذه اللعبة، نقلة اضطرت إليها القوى الأوروبية في سباق مع الزمن قبل انتهاء صلاحية الاتفاق النووي. إن التحليلات التي تركز على المواقيت النهائية، ورئاسة روسيا لمجلس الأمن، والمواقف الأمريكية المتحفظة، هي كلها قراءات صحيحة ولكنها سطحية. إنها تركز على حركة قطع الشطرنج،

وتتجاهل حقيقة أن رقعة الشطرنج نفسها موضوعة فوق فوهة بركان على وشك الانفجار. إن التهديد الحقيقي الذي يواجهه نظام الملالي اليوم لا يكمن في قاعات مجلس الأمن، بل في شوارع إيران الملتهبة. ومظاهرة السادس من سبتمبر في بروكسل هي اللحظة التي سيُجبر فيها العالم على النظر بعيداً عن المسرح الدبلوماسي، والتركيز على هذا البركان الشعبي الذي سيغير كل قواعد اللعبة.

وهم لعبة الشطرنج الدبلوماسية

لا شك أن الديناميكيات الدولية التي تحيط بآلية الزناد معقدة. فأوروبا تحاول استعادة زمام المبادرة والعودة إلى آليات القانون الدولي، مستغلة الإطار القانوني للاتفاق كوسيلة للضغط على إيران. وروسيا والصين، من ناحية أخرى، تدعمان طهران سياسياً واقتصادياً، وتريان في الخطوة الأوروبية محاولة لفرض إرادة غربية أحادية. والنظام الإيراني، كعادته، يتأرجح بين التهديد بتقليل التعاون مع الوكالة الدولية أو حتى الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار، وبين إبقاء باب المفاوضات موارباً. هذه هي تفاصيل اللعبة التي انشغل بها العالم لسنوات.

لكن هذه اللعبة تتجاهل اللاعب الأهم والأقوى: الشعب الإيراني. إن التركيز المفرط على ردود الفعل الدبلوماسية للنظام يغفل عن حقيقة أن قرارات النظام لم تعد تحكمها الحسابات الاستراتيجية بقدر ما تحكمها غريزة البقاء في مواجهة ثورة شعبية حتمية.

التهديد الحقيقي الذي يرتعب منه خامنئي

إن النقطة الأكثر دقة في التحليل السائد هي الإشارة إلى أن المرشد الأعلى علي خامنئي “قادر على إظهار مرونة عندما يشعر بأن بقاء النظام مهدد”. لكن الخطأ يكمن في تحديد مصدر هذا التهديد. فالتهديد الذي يرتعب منه خامنئي ليس مجرد عقوبات أممية إضافية، فالنظام قد تعايش مع العقوبات لعقود. التهديد الحقيقي هو أن هذه العقوبات الجديدة، وهذه العزلة الدولية الكاملة، ستكون بمثابة القشة التي ستقصم ظهر البعير، وستحول السخط الاجتماعي والاقتصادي المتراكم إلى انفجار شعبي لا يمكن السيطرة عليه.

إن تاريخ “مرونة” خامنئي يثبت ذلك. فهو لم يتراجع في الماضي بسبب الضغط الدبلوماسي وحده، بل بسبب الخوف من الانتفاضات الشعبية التي أججتها الأزمات الاقتصادية. إن الصراع الحقيقي داخل إيران ليس بين “المتشددين” و”الإصلاحيين” كما يعتقد البعض، فهؤلاء جميعاً جزء من نفس النظام الفاسد. الصراع الحقيقي هو بين النظام بأكمله والشعب الذي يرفضه.

في هذا السياق، لم تعد مظاهرة السادس من سبتمبر في بروكسل مجرد حدث للمعارضة، بل أصبحت هي التجسيد السياسي والمنظم لهذا “التهديد الوجودي” الذي يرتعب منه خامنئي. إنها تقدم للعالم الصورة الحية للبركان الذي يغلي تحت السطح. إنها تقول لصناع القرار: لا تراهنوا على مرونة خامنئي، بل استثمروا في إرادة الشعب الإيراني.

إن هذا التجمع العالمي لا يهدف فقط إلى إدانة البرنامج النووي أو الإرهاب الإقليمي، بل يهدف إلى تقديم الحل الوحيد الذي يمكن أن ينهي هذه الأزمات من جذورها. هذا الحل هو الخيار الثالث: لا استرضاء للنظام ولا تدخل عسكري، بل دعم الشعب الإيراني ومقاومته المنظمة لإقامة جمهورية ديمقراطية. إن خطة السيدة مريم رجوي ذات العشر نقاط هي التي تقدم خارطة الطريق لهذا المستقبل، مستقبل تكون فيه إيران شريكاً للسلام بدلاً من كونها مصدراً للتهديد.

الرسالة التي ستنطلق من بروكسل ستكون واضحة: لقد فشلت لعبة الشطرنج الدبلوماسية. وحان الوقت لكي يتوقف العالم عن تحريك بيادقه وينظر إلى القوة الحقيقية القادرة على تحقيق “كش ملك” نهائي لهذا النظام. هذه القوة هي الشعب الإيراني، ومظاهرة السادس من سبتمبر هي صوت هذا الشعب.

اخترنا لك