العميد الجمل في ندوة عن بلدية بيروت بين الواقع والطموح : لمشاركة القوى الشعبية في صناعة القرار لمواجهة الإهمال

رصد بوابة بيروت

أقام المنبر البلدي لمدينة بيروت في اطار الحوار التعددي امس لقاء مع عضو مجلس بلدية العاصمة العميد محمود الجمل تحت عنوان ” بلدية بيروت بين الواقع والطموح ” في مركز منظمة العمل اليساري الديمقراطي العلماني في وطى المصيطبة، حضرها حشد من المهتمين بينهم رئيس المكتب التنفيذي للمنظمة زكي طه وعدد من أعضاء قيادتها ورئيس منتدى امناء بيروت فادي غلاييني واعضاء من المنتدى وعضو المجلس البلدي لبيروت إسكندر بريدي والمؤرخ الناصري الدكتور حسن قبيسي وامين سر المنبر البلدي لمدينة بيروت جمال حلواني وأعضاء اطار الحوار والمنبر د. ماري أنج نهرا ود. فاطمة مشرف ووسيم غندور ورلى العجوز وعبد المولى شهاب الدين ومروان الايوبي وميشال فلاح وهاني قنطري وبسام سنو وأحمد قباني والعميد خالد جارودي وعدنان الحكيم ومحسن زين الدين والنقابي محمد قاسم. وحشد من المهتمين بالشأن العام والعمل البلدي.

تولى تقديم وإدارة الندوة الإعلامي باسم سعد الذي أشار بداية إلى أن بلدية العاصمة التي وجدت أساسا لخدمة سكانها وتلبية احتياجاتهم اليومية تفصلها هوة عن المواطنين. وهي هوة تزداد اتساعا يوما بعد يوم. فالثقة التي يفترض أن تبنى على التواصل الفعال والشفافية والمحاسبة تكاد تكون مفقودة، نتيجة الغياب التام لأي حوار حقيقي أو شراكة مع المجتمع المحلي. ونتيجة ذلك يشعر المواطن البيروتي أن البلدية بعيدة عن همومه اليومية، وعاجزة عن معالجة مشاكله وغائبة عن الشارع الذي يعاني من تراكم الأزمات: من النفايات إلى الطرقات المهترئة إلى انعدام المساحات العامة والخدمات الأساسية. كما إن غياب قنوات المشاركة الشعبية في صنع القرار وعدم توافر آليات واضحة لتلقي الشكاوى أو متابعة المشاريع، عمّق الإحساس بالتهميش والعزلة لدى السكان. وهذه القطيعة بين البلدية والناس لم تعد مجرد أزمة ثقة، بل باتت أحد أبرز عوائق النهوض ببيروت كعاصمة تنبض بالحياة وتخدم كل من يعيش فيها.

وأضاف: بعد الانتخابات الأخيرة دخلت المدينة مرحلة جديدة من العمل البلدي وسط تحديات كبيرة وتوقعات شعبية عالية، فالعاصمة التي لطالما كانت مرآة الوطن، تحمل اليوم على كاهلها تراثا ثقيلا من الإهمال والتهميش. وفي المقابل يعلق أهلها آمالا عريضة على التغيير الحقيقي، والخروج من منطق المحاصصة والشلل الإداري. فبعد الانتخابات الأخيرة ظهرت في المجلس وجوه جديدة تمثل صوتا مدنيا حرا قررت أن تكسر احتكار السلطة التقليدية والأحزاب المهيمنة، وتعيد تعريف معنى العمل البلدي كخدمة عامة، لا كامتياز سياسي. ووصف سعد عضو المجلس البلدي العميد الركن محمود الجمل بأنه يمثل صوت المدينة الحي ويقف على خط التماس بين واقع بيروت الصعب وطموحاتها الكبرى.

وختم قائلا: لقد حقق العميد الجمل انتصارا كبيرا، لا فقط بخرقه لقرار المنظومة الحزبية، بل كرمز للقرار المدني الحقيقي، ليسجل انتصارا لأهالي بيروت، وليرسخ مفهوما بتأكيده أن القرار البلدي يمكن أن يكون مستقلا نظيفا ومنحازا بالكامل للناس في الشوارع الفقيرة والأحياء المهمشة في مواجهة الفساد واللامبالاة.

كلمة العميد الجمل

من جهته قال العميد الجمل: يشرفني أن أكون بينكم اليوم لأتحدث عن واحدة من أهم المؤسسات المحلية في وطننا الحبيب، ألا وهي بلدية بيروت. وبيروت، عاصمتنا التي عاشت المجد والدمار، الفرح والألم، مدينة تختصر تاريخ لبنان، وتعكس آماله وتحدياته. من هنا، فإن بلديتها لا تُعتبر فقط جهة إدارية، بل هي مرآة لحال البلد كله. وبلدية بيروت هي واحدة من أقدم البلديات في العالم العربي، وقد تأسست سنة 1863 في عهد الدولة العثمانية، وهي اليوم تخضع للقانون اللبناني الخاص بالبلديات. تتكون من مجلس بلدي منتخب يضم 24 عضواً، وتشرف عليها محافظة بيروت، التي يرأسها المحافظ المعين من قبل وزارة الداخلية. وهي خلافًا لبقية المدن اللبنانية، لا تتفرع إلى عدة بلديات، بل تُدار عبر بلدية واحدة تُعنى بشؤون العاصمة بأكملها.

وتعاني البلدية من بيروقراطية معقدة. وتغيب عنها الرؤية التخطيطية الشاملة، وغالبًا ما تتخذ القرارات كردود أفعال، لا كجزء من خطة استراتيجية. وهي محدودة الصلاحيات، حيث إن كثيرًا من الملفات الأساسية، كالنقل العام أو المياه أو الكهرباء، لا تزال مركزية.

وبالنسبة للواقع المالي، تمتلك البلدية بيروت اموالا ضخمة، لكن مع الاسف كلها كانت بالمصارف والتي تقدر بحوال 800 مليون دولار. أما الأملاك البلدية الكثيرة وهي غير مستثمرة بشكل فعّال. وبالنسبة للخدمات العامة فالطرقات محفّرة، والأرصفة محتلة، والإنارة ضعيفة. ثم إن مشكلة إدارة النفايات مزمنة، رغم تعدد العقود والمشاريع. مع غياب النقل المشترك، وضعف شبكات الصرف الصحي والمياه. ويغيب التواصل الفعّال بين البلدية والمواطنين. ولا توجد منصات تفاعلية فعّالة تتيح للناس المشاركة في القرار أو تقديم الشكاوى بسهولة. وعليه، فالمواطن يشعر بأن المجلس البلدي بعيد عن همومه اليومية.
و تواجه بيروت تحديات معقدة، أبرزها: الانهيار الاقتصادي والمالي الذي أصاب كل مؤسسات الدولة، بما فيها البلديات. التلوث البيئي والضوضائي، وغياب مشاريع تنموية حقيقية. الضغط السكاني والعمراني، خاصة بعد النزوح من المناطق الأخرى. وغياب التنسيق بين البلدية والوزارات والمؤسسات المعنية. وتعاني البلدية من التجاذبات السياسية والطائفية التي تشل العمل البلدي وتفرغه من مضمونه الإنمائي. ولكن رغم كل ما سبق، ما زالت هناك آمال وتطلعات يمكن البناء عليها أبرزها: تحقيق حوكمة رشيدة من خلال اعتماد الشفافية، المحاسبة، وتفعيل دور الرقابة الداخلية والخارجية. وتطوير البنى التحتية ليس فقط عبر الترميم، بل من خلال التفكير الحضري المستدام الذي يتضمن شبكة نقل عام حديثة ومساحات خضراء وتنظيم عمراني متوازن وتعزيز المشاركة المجتمعية عبر إشراك المواطنين والمجتمع المدني في صنع القرار.وتفعيل المنصات الإلكترونية لاستطلاع آراء الناس. والدخول في عالم التحول الرقمي في المعاملات وتسهيل الإجراءات ونشر التقارير المالية والإدارية بشكل دوري ومفتوح.

ودعا في الختام إلى تطبيق استقلالية القرار البلدي وتحقيق اللامركزية. وأوصى ختاما بضرورة أن يتوافر لبيروت قيادة مدنية عصرية في الانتخابات المقبلة التي يجب أن تكون محطة للتغيير واختيار الكفاءات. فبلدية بيروت ليست مؤسسة تقنية فقط، بل هي مرآة لحياتنا اليومية، وهي التي تمسك بخيوط تفاصيلنا الحياتية من النفايات إلى الإنارة، ومن الطرق إلى المساحات العامة.

مداخلات وأجوبة

لم يترك الحضور شاردة أو واردة إلا وأثاروها من خلال الأسئلة التي وجهوها للعميد الجمل، وشارك عضو المجلس البلدي إسكندر بريدي في الرد على سؤال أحد الحاضرين.

وشملت الاسئلة مسألة عوائد االبلدية من الحفلات الفنية، والمسؤولية عن هذا الإهمال بين الدولة ووزارة المالية والبلدية، وقضية الأملاك في الوسط التجاري بين البلدية وشركة السوليدير. واشغال المواقف العامة من قبل شركات “الفالي باركينغ”، واحتلالاارصفة عبر البسطات ووضع العوائق والاعمدة الحديدية والمكعبات الأسمنتية في الشوارع.

وحاز الاهتمام بالحدائق حيزا من اهتمام الجمهور التي يتضرر من غيابها أهل المدينة وخصوصا الاطفال وكبار السن منهم. وأشارت بعض المداخلات إلى تراجع خدمات البلدية ودورها بنتيجة الإهمال.. وكذلك أثيرت مسالة تسمية الشوارع، ومشاكل النظافة والنفايات والتلوث والمولدات اسعارا وضجيجا وما تتسبب به من أمراض، والإنارة المفقودة والدراجات النارية والتسول والكلاب الشاردة، وفقدان مياه الشفة. وطالب أحد الحاضرين باستعادة المسرح الشعبي وتأسيس نوادي اجتماعية.

العميد الجمل أكد من خلال الردود التي تولاها حول مختلف القضايا، أن زمن التجاهل والتهميش انتهى، و وأنه سيتابع بجدية ومسؤولية كاملة كل القضايا المطروحة. على أن الموضوع الذي أثار نقاشا فعليا كان موقف الفاعليات السياسية التي تهيمن على المجلس البلدي في العاصمة ومدى دعمها للعمل البلدي في حال تعارضت مع مصالح اتباعها.

وهنا تداخل النقاش ليصل إلى ضرورة حضور الصوت المدني والشعبي وممارسة الضغط على الدولة وأحزاب السلطة والبلدية من أجل تنفيذ الإصلاحات الفعلية التي تعيد تحريك دواليب العمل البلدي الصدئة منذ سنوات طويلة. وختم الجمل بدعوة الحضور إلى محاسبته وأعضاء المجلس البلدي عن اهمال حقوقهم، مؤكدا أن موقعه التمثيلي يدفعه وبعض الأعضاء إلى ممارسة دورهم الإيجابي من داخل المجلس البلدي وخارجه.

اخترنا لك