بقلم مروان الأمين
إتّجهت الأنظار، في الداخل كما في الخارج، نحو الكلمة التي ألقاها الرئيس نبيه بري، في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر، لا سيّما أنّ موعدها تزامن مع خطاب مشحون بتصعيد غير مسبوق من جانب “حزب اللّه”، الذي وجّه سهام التخوين إلى الرئيسين جوزاف عون ونوّاف سلام، وإلى أكثرية الشعب اللبناني، وصولًا إلى التلويح بالمواجهة مع الجيش اللبناني، بل وحتى بالانزلاق نحو حرب أهلية.
من هنا، انتظر الجميع، أن يخرج بري بمبادرة توقف اندفاعة “حزب اللّه” نحو خيارات انتحارية، وتفتح باب الخروج من هذا النفق المظلم.
خيّب الرئيس بري الآمال في كلمته. فالرجل الذي انتظر كثيرون أن يخرج من موقع الشريك في المأزق إلى موقع المنقذ، لم يفعل سوى إعادة تدوير لغة قديمة مُستهلكة. حديثه عن “الحوار الهادئ” لحلّ معضلة سلاح “حزب اللّه” بدا كمن يشتري الوقت مجددًا، متجاهلًا أكثر من خمسة عشر عامًا من طاولات الحوار العقيمة التي حملت عنوان “الاستراتيجية الدفاعية”، ولم تنتج سوى صورة باهتة يتستّر بها “حزب اللّه”.
الأدهى أنّ بري تجاهل أيضًا المسعى الذي قام به عون منذ تسلّمه سدّة الرئاسة، والذي استنزف أشهرًا من ولايته في حوارٍ بعيدٍ من الإعلام مع قيادات “الحزب”، من دون أن يصل معهم لأي نتيجة. ليخرج بعدها عون مُعترفًا بأنّه خسر من رصيده الشعبي بسبب هذا المسار العقيم.
في هذه الكلمة، أعاد بري إنتاج السيناريو نفسه: يطرح الحوار عنوانًا، فيما الحقيقة أنّه وصفة جاهزة للتمييع والمناورة وشراء الوقت، لصالح “حزب اللّه” على حساب الدولة، وعلى حساب الشيعة قبل غيرهم.
في كلمته، حذّر الرئيس بري من أنّ هناك “من يقود حملات التنمّر السياسي والشتم والشيطنة والتحقير على نحو ممنهج بحق طائفة مؤسّسة للكيان اللبناني”.
لكن ما فات بري، أنّ لغة الاستعلاء والعنجهية والأحقاد، هي اللغة الرسميّة لـ “حزب اللّه” في خطابه وسلوكه. والحقيقة، أنّ اللبنانيّين، من مختلف الطوائف والانتماءات السياسيّة، كانوا أكثر رحمة بأبناء الطائفة الشيعية من “الحزب” نفسه. بينما انشغل اللبنانيون باحتضانهم في لحظة ضعف خلال الحرب، كان “الحزب” يواصل خطاب التخوين، مقدّمًا مشروع “وحدة الساحات” على حساب دماء وأرزاق بيئته.
واليوم، لا يكتفي “حزب اللّه” باتهام من احتضنه بخدمة المشروع الإسرائيلي، بل يهدّده بالحرب الأهليّة. هل يريد أن يطلق النيران على المدن والبلدات والأحياء والبيوت التي احتضنت أبناء الطائفة الشيعيّة خلال الحرب؟ ألا يُعدّ ذلك، يا دولة الرئيس، أعلى مراتب نشر الأحقاد وتجسيد التفكير الشيطاني؟
كما حذّر بري ممّن “يحجب الرؤية عن معرفة من هو العدوّ الحقيقي للبنان واللبنانيين”. الرؤية ليست محجوبة يا دولة الرئيس: من يخدم العدوّ حقًا هو ذاك الذي يتمسّك بالسلاح خارج الشرعية، ويهدّد بالمواجهة مع الجيش وبالحرب الأهلية، ويدافع عن السلاح، حتى لو كان الثمن دم أبناء الطائفة الشيعية واستمرار احتلال الجنوب ومنع إعادة الإعمار.
حسابات حقل المصلحة اللبنانية والشيعية لم تتطابق مع حسابات بيدر الرئيس بري، التي التقت عند معادلة واحدة: السلاح ثمّ السلاح.
منذ اتفاق القاهرة عام 1969، دفع الشيعة أثمانًا باهظة وعانوا ظلمًا كبيرًا بسبب سلاح خارج عن الشرعية وحمل هويات وعناوين مُتعدّدة، لكن أقسى ذلك الظلم كان ظلم ذوي القربى… ظلم السلاح الشيعي.