إيران على حافة الهاوية…

كيف أكدت أزمات النظام الحتمية التاريخية للحل المطروح في بروكسل

خاص بوابة بيروت

هناك لحظات في تاريخ الأمم، لحظات نادرة وحاسمة، تتكثف فيها كل الأزمات وتتقاطع كل الخطوط لتصل إلى نقطة اللاعودة. إن ما تعيشه إيران اليوم ليس مجرد أزمة سياسية أو اقتصادية عابرة، بل هو هذه اللحظة التاريخية بالذات. إنه التقاء العاصفة الكاملة، حيث يتشابك الحصار الدولي الخانق مع الانفجار الاجتماعي الوشيك، ويتزامن الانهيار الاقتصادي الكامل مع الشلل السياسي العميق في قمة هرم السلطة.

هذا ليس مجرد تحليل للمعارضة، بل هو الواقع المر الذي يعترف به خبراء النظام أنفسهم. إنها لحظة المأزق الوجودي الذي لا مخرج منه، اللحظة التي تجعل من الحل الذي تم تقديمه بوضوح وقوة في السادس من سبتمبر في بروكسل ليس مجرد خيار، بل ضرورة تاريخية حتمية.

تشريح الانهيار المحتوم: عندما تصبح كل الخيارات انتحاراً

لكي نفهم عمق المأزق، يجب أن ننظر إلى الخيارات المتاحة أمام المرشد الأعلى علي خامنئي. إنها ليست خيارات على الإطلاق، بل هي طرق مختلفة تؤدي إلى نفس النهاية الحتمية: السقوط. فمن جهة، يواجه النظام تفعيل “آلية الزناد” وعودة العقوبات الدولية الشاملة. هذه العقوبات، كما يحذر خبراء النظام، ليست مجرد ضغوط اقتصادية، بل هي الفتيل الذي سيشعل برميل البارود الاجتماعي، حيث سيؤدي ارتفاع التضخم الجنوني إلى دفع ما تبقى من الطبقة الوسطى إلى هوة الفقر، وتحويل السخط الشعبي إلى انتفاضة عارمة.

ومن جهة أخرى، يواجه النظام انقسامات داخلية مميتة. فالصراع بين الأجنحة لم يعد مجرد خلاف تكتيكي، بل أصبح حرب تصفية حسابات وجودية. وكما اعترف مسؤول رفيع في النظام، فإن خطر هذا “الشرخ الداخلي أكبر بكثير من خطر آلية الزناد”. وهذا يضع خامنئي في فخ قاتل: إذا استمر في سياساته العدوانية، فإن الانهيار الاقتصادي سيؤدي إلى ثورة. وإذا تراجع وقدم تنازلات، فإن هذا سيُعتبر علامة ضعف وسيؤدي إلى نفس الثورة، بالإضافة إلى تمرد محتمل من قاعدته المتشددة. إنه عالق في المنتصف، بين “الانتحار” و”الموت”، كما وصفه أحد المحللين. لقد وصل النظام فعلاً إلى نقطة اللاعودة.

في مواجهة هذا الانهيار، لم تعد مظاهرة السادس من سبتمبر في بروكسل مجرد حدث احتجاجي، بل أصبحت هي المخرج الوحيد من هذا النفق المظلم. وكما أوضح السيد موسى أفشار، عضو لجنة الشؤون الخارجية في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، فإن هذه المظاهرة لم تكن مجرد استعراض للقوة، بل كانت تقديماً للحل في لحظة الفراغ.

لقد أثبتت هذه المظاهرة للعالم ثلاث حقائق أساسية كانت غائبة. أولاً، أثبتت أن البديل للنظام الحالي ليس الفوضى، بل هو حركة منظمة، ذات تاريخ نضالي يمتد لستين عاماً، وقادرة على حشد وتعبئة عشرات الآف من أنصارها في قلب أوروبا، مما يعكس قدرتها الأكبر على التنظيم في الداخل.

ثانياً، قدمت هذه المظاهرة بوضوح “الحل الثالث” كاستراتيجية واقعية وعقلانية. ففي الوقت الذي كان فيه العالم حائراً بين خياري الحرب أو المساومة الفاشلين، جاءت هذه المظاهرة لتقول إن هناك طريقاً ثالثاً: دعم نضال الشعب الإيراني ومقاومته المنظمة لإسقاط هذا النظام بأيديهم.

ثالثاً، والأهم من ذلك، أنها قدمت رؤية واضحة ومفصلة لإيران ما بعد الملالي. هذه الرؤية، المتجسدة في خطة السيدة مريم رجوي ذات العشر نقاط، هي التي تمنح الأمل وتجيب على سؤال “ماذا بعد؟”. إنها تقدم مشروعاً لبناء جمهورية ديمقراطية، تعددية، وغير نووية، تكون شريكاً في السلام والاستقرار.

الرسالة التي انطلقت من بروكسل كانت موجهة بشكل مباشر إلى المجتمع الدولي وإلى الشعب الإيراني: بينما يغرق نظام الملالي في أزماته المميتة ويقترب من نهايته الحتمية، فإن البديل الديمقراطي جاهز، ومنظم، ويملك رؤية للمستقبل. لقد حان الوقت للتوقف عن مشاهدة سفينة النظام وهي تغرق، والبدء في بناء سفينة الإنقاذ التي ستحمل إيران إلى بر الأمان.

اخترنا لك