لبنان بين الذاكرة والواقع : خمس محطات تحدّد ملامح أيلول

بقلم جاد الاخوي

شهر أيلول الحالي لن يكون عاديًا في الحياة السياسية اللبنانية. فقد تراكمت خلاله خمس محطات أساسية، لكل منها رمزيتها، لكنها معًا ترسم صورة مكثفة عن لبنان الممزّق بين ماضيه المليء بالتضحيات وصراعاته المستمرة على الحاضر والمستقبل.

1- قرار الحكومة بخطة الجيش لنزع سلاح “حزب الله”:

البداية ستكون الجمعة مع القرار الحكومي بدعم خطة الجيش الهادفة إلى وضع خارطة طريق لنزع سلاح “حزب الله”. القرار لا يزال في بداياته، لكن رمزيته كبيرة: للمرة الأولى منذ سنوات، هناك اعتراف رسمي بأن حصرية السلاح بيد الدولة ليست مجرد شعار بل سياسة معلنة. غير أن التحدي يكمن في التنفيذ، خصوصًا مع استمرار “حزب الله” في الإمساك بالقرار الأمني والعسكري، وتوازنات إقليمية لا تسمح بترجمة الخطة بسهولة.

2- خطاب سمير جعجع في قداس شهداء القوات:

بعد أيام، سيأتي خطاب رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في قداس الشهداء السنوي. جعجع سيقول في كلمته «قلت لكم ولم تصدّقوا»، محاولًا تكريس سردية أنه كان الأصدق في قراءة مخاطر سلاح “حزب الله” وتغوّل محور الممانعة. الخطاب سيحمل نبرة «النصر السياسي»، مشددًا على أن الواقع الراهن، مهما بدا صعبًا، هو مؤقت وآيل للسقوط. في المقابل، ممكن ان يثير كلامه جدلًا واسعًا: هل يكفي التشديد على الموقف المبدئي من دون تقديم رؤية عملية واضحة لليوم التالي؟

3- خطاب الكتائب في ذكرى اغتيال بشير الجميل:

المحطة الثالثة ستكون في ١٤ أيلول، ذكرى اغتيال الرئيس المنتخب بشير الجميل. الكلمة التي سيلقيها نديم الجميل يمكن ان تحمل طابعًا وجدانيًا، لكنها في الوقت نفسه ستعكس تقاربًا في الخطاب مع القوات حول مركزية الدولة وسيادتها. بشير الجميل سيعود ليُستحضر كرمز لـ«الحلم الضائع»، وكأن الذكرى أصبحت مناسبة للتأكيد على أن لبنان الذي طمح إليه لا يزال بعيدًا. سيتلاقى خطاب الكتائب مع خطاب القوات في تشديده على ضرورة مواجهة مشروع “حزب الله”، لكن الفارق سيكون في الأسلوب والقدرة على ترجمة الكلام إلى مبادرة سياسية جامعة.

4- الذكرى الأولى للبايجرز:

المحطة الرابعة لن تكون سياسية بالمعنى التقليدي، لكنها ستأخذ أبعادًا سياسية واجتماعية كبيرة: الذكرى الأولى لضحايا «البايجرز»، ذلك الحادث الذي هزّ لبنان وكشف عن عمق أزمة الدولة في التعامل مع الفوضى الأمنية. كما كشفت الخروقات الأمنية داخل الحزب، المناسبة سيحوّلها الحزب إلى صرخة ضد غياب العدالة وضد الإفلات من العقاب، لتذكّر بأن اللبنانيين لا يعيشون فقط صراع السيادة، بل أيضًا يوميات مليئة بالعجز المؤسساتي والانهيار الخدمي.

5- الذكرى الأولى لاغتيال حسن نصرالله:

أما المحطة الخامسة والأكثر حساسية فسكون الذكرى الأولى لاغتيال الأمين العام ل”حزب الله” حسن نصرالله. المناسبة ستحمل طابعًا متناقضًا: بين جمهور الحزب، الذي سيصف الاغتيال كجريمة كبرى لم تُطفئ «المقاومة»، بل زادتها قوة وتماسكًا. بينما في أوساط الخصوم، اعتبرت علامة فارقة أضعفت قبضة الحزب وفتحت الباب أمام احتمالات جديدة لموازين القوى في لبنان. مرور عام على هذا الاغتيال سيحاول اظهار الحزب انه ما زال متماسكًا عسكريًا، لكنه في الواقع يواجه تحديًا حقيقيًا على مستوى الشرعية الشعبية والسياسية.

قراءة جامعة:

خمس محطات متتالية خلال شهر واحد تكفي لتلخيص مأزق لبنان.

قرار الحكومة يعكس بداية وعي رسمي بضرورة استعادة الدولة، لكن غياب خطة عملية يجعل الأمر أقرب إلى الأمنيات.

خطاب جعجع والكتائب سيجدّد الاصطفاف التقليدي ضد “حزب الله”، ولكن هل سينجح في تقديم بديل جامع لكل اللبنانيين؟

ذكرى البايجرز تكشف هشاشة الدولة أمام مواطنيها، وضعف الحزب من خلال الخروقات الأمنية، فيما ذكرى اغتيال نصرالله ستطرح سؤالًا كبيرًا حول مستقبل الحزب ودوره في المعادلة الداخلية والإقليمية.

عدة اسئلة يطرحها شهر أيلول 2025 وكأنه مرآة للبنان كله: دولة تبحث عن قرارها، أحزاب تستعيد ذاكرة شهدائها لتجدد حضورها، شعب يعيش المآسي اليومية بلا أفق، وحزب مسلح يعيش ذكرى اغتيال زعيمه وهو يحاول التمسك بشرعية وهمية لم تعد كما كانت.

هكذا يبقى السؤال مفتوحًا: هل هذه المحطات مؤشرات على ولادة مرحلة جديدة، أم أنها مجرد فصول إضافية في مسلسل المراوحة اللبنانية؟

اخترنا لك