حين يصبح الوطن أثقل من القلب وأخف من الحلم

بقلم خلود وتار قاسم

يا ليتني أستطيع، يا وطني، أن أحملك بيدي، وأهرب بك وبشعبك إلى أرضٍ جرداء، أرضٍ لا خير فيها تُغري الطامعين، ولا خيرات تُشعل شهية الذئاب…
أرضٌ لا يسكنها سوى روحك وأبناؤك وبناتك، لنعيد زرعها من جديد بثقافتنا، بتاريخنا، وبقدرة شبابنا وبناتنا الذين هُم الثروة الحقيقية، وهُم الخبز والمستقبل.

يا أرض الخيرات، كم ظلمك عطاؤك!
كل إمبراطورية مرّت عليكِ نهشت من جسدك، كل مملكة عبرت سلبت خيراتك، كل قوةٍ غازية وضعت يدها على تاريخك وحاولت أن تطمس هويتك… ومع ذلك، لم تجفّ ينابيعك، ولم تيبس أرضك، بل كنتِ كل مرة تولد من جديد، أكثر خصبًا، أكثر جمالًا، أكثر كبرياءً.

يا وطني، منذ الأزل وأنت مطمعُ كل طامع، موقعك قلب الأرض، جغرافيتك معجزة، طبيعتك لوحة خالدة، وشعبك نادر المواهب.
لكن الذئاب لا ترى فيك سوى وليمة، ولا تحمل في قلوبها سوى الجشع والعبث والاغتصاب.

أما أنا، ابنة هذه الأرض، فقد تعبت.
تعبت من قوة تستمدها من جرحٍ لا يندمل، ومن دماء شبابٍ تُبنى عليها الأحجار.
لقد عبرتُ ماراثون العمر مرة ونصف، وشهدتُ صراعات الزمان، وكل ما أريده الآن أن أنجز بسلام…
أن أبني بسلام…
أن أزرع مستقبل أجيالنا بسواعدهم، بأفكارهم، بقدراتهم التي تفوق حدود الكون، لا بأجسادهم الطاهرة التي تتحول وقودًا في معارك الآخرين.

لذلك يا وطني، سأحملك بعيدًا…
إلى جزيرة نائية منسية في أطلس هذا العالم، إلى صحراء لا تُغري أحدًا، لأزرع في تربتها هويتك وتاريخك، وأبني فيها مستقبل أبنائك.
هناك ستكبر بلا قيد، ستتعلم قيمة نفسك، وتعرف أن قوتك في شعبك لا في خيراتك وحدها.
وعندما تشتدّ سواعدك، سنعود معًا إلى أرضك، لا كحلقة أضعف في محيط الصراع، بل كورقة رابحة، عصيّة على الكسر، لا تُغلب ولا تُستباح.

فكما قال الشاعر أبو القاسم الشابي عن الشعب إذا أراد الحياة :
فلا بد لليل أن ينجلي… ولا بد للقيد أن ينكسر.
وليس من حالٍ يدوم، فالحياة كالأرض، كروية… تعود دائمًا لتضع كلّ ظالمٍ في مكانه، وتُعيد لكل مظلومٍ حقّه.

اخترنا لك