بقلم سعيد مالك
نصّت المادة الأولى من الدستور اللبناني، على أنّ لبنان دولة مستقلّة ذات وحدة لا تتجزّأ وسيادة تامّة. وبالتالي حَسَمَ الدستور أنّ لبنان ذات سيادة تامّة غير منتقصة وغير مُجزّأة. والسيادة بمفهومها الحديث تُعّد صفة تمتلكها الدولة. تكون نابعة من الإرادة العامة للشعب. ولا تعلو عليها أي سلطة من الداخل أو الخارج: s. Goldstein Joshua (1996) ص/73/. والسيادة تشمل خمس خصائص وهي، السيادة المُطلقة، غير القابلة للتنازل، غير القابلة للتجزئة، الشاملة، والدائمة. تتظهّر السيادة بأن تكون داخلية وخارجية.
والسيادة الداخلية تعني أن تكون سلطة الدولة على إقليمها مُطلقة، فهي صاحبة السلطة العُليا في تسيير الشؤون الداخلية، ولا تستطيع أي سُلطة أُخرى أن تعلو عليها في فرض إرادتها على المواطنين وكافة الهيئات والمؤسسات القائمة على إقليمها. وهو ما يُبرّر احتكارها أدوات القوّة “العنف الشرعي” اللازمة لتمكينها من القيام بوظائفها.
وبالتالي، عندما نقول إنّ لبنان ذات سيادة تامّة، يعني أن لبنان هو مَن يحتكر حصرًا أدوات القوّة، لكي يتمكّن من القيام بوظائفه في حفظ الأمن وحماية الوطن والمواطن.
ومجرّد أن ينصّ الدستور على أنّ لبنان دولة ذات سيادة، يعني أنّ القوى الشرعية في الدولة هي مَن تملك حصرًا صلاحية حمل السلاح دون سواها من الأطراف.
مِن هُنا جاءت وثيقة الوفاق الوطني، كذلك خطاب القَسَم والبيان الوزاري التي أجمعت على حتميّة جمع السلاح وحصره بيد الدولة اللبنانية.
وجاء قرارَي الحكومة بتاريخ الخامس والسابع من الشهر الماضي، ليُكرّسا مبدأ حصريّة السلاح بيد الدولة، تطبيقًا لمفهوم السيادة وسُلطة الدولة الشاملة والمُطلقة.
يوم الأحد الماضي فوجئت الأوساط المُتابعة بخطاب دولة رئيس مجلس النوّاب الذي دعا إلى الحوار بخصوص السلاح، وبخصوص وضع استراتيجيّة دفاعية تحمي الوطن حسب وصفه…كذا… .
وبالتالي، الدعوة إلى الحوار بخصوص السلاح تُعتبر انقلابًا على الدستور، ونَسفًا لأحكام المادة الأولى منه، وضربًا لمفهوم السيادة الوطنية.
فالسيادة الوطنية تُعتبر من المُسلّمات غير القابلة للنقاش أو الحوار. فلا دولة من دون سيادة، ولا سيادة من دون احتكار السلاح بيدها.
مما يؤكّد، أنّ دعوة الرئيس برّي إلى الحوار بخصوص السلاح لا تستقيم دستورًا. حيث كان يقتضي على دولة الرئيس الالتزام بالقرارات الحكومية ووثيقة الوفاق الوطني وخطاب القَسَم والبيان الوزاري.
أمّا ما تحاول أوساط مُقرّبة من الرئيس برّي تسويقه لجهة حتميّة تنفيذ كامل بنود الطائف إذا كان هناك إصرار على تسليم السلاح للدولة. فذلك أيضًا لا يستقيم، كَون ذلك يستوجب الذّهاب إلى الانتخابات النيابية أوّلًا لإنتاج مجلس نيابي يُمثّل اللبنانيين. وبعدها وضع خطّة عملية لاستكمال بنود الطائف، مِن تشكيل هيئة وطنية لإلغاء الطائفية السياسية، ووضع قانون انتخابات خارج القيد الطائفي، وإنشاء مجلس للشيوخ. وإجراء انتخابات نيابية خارج القيد الطائفي. أمّا ربط تسليم السلاح بتحقيق كامل ما تقدّم لا يستقيم. لأن هذا الربط هدفه تمييع استعادة الدولة سلطتها وإرجاء ذلك إلى أمدٍ غير منظور.
بالتالي، خريطة الطريق تستوجب جمع السلاح وحصره بيد الدولة اللبنانية، استعادةً للسيادة المُنتقصة، وبعدها الذّهاب إلى انتخابات نيابية في مواعيدها، على أن تلي ذلك المباشرة بإجراءات تطبيق كافة بنود الطائف غير المُطبّقة.
فالعودة إلى المُطالبة بالحوار بشأن تسليم السلاح، غير دستورية. لا سيّما وأنّ تجربة لا بل تجارب الحوار لا تُشجّع، خاصّةً مع فريقٍ تمرّس في الانقلاب على الحوارات ونتائجها، والتجربة خير برهان.
فالدولة لا تقوم من دون سيادة، والسيادة تُعتبر مِنَ المُسلّمات. واحتكار السلاح أحد أهّم مظاهرها. والمُطالبة بالحوار حول المُسلّمات مرفوضة.