أعلى ما في خيلهم

بقلم سناء الجاك

ليس صدفة أن يلعلع الرصاص في مخيم برج البراجنة عشية جلسة 5 أيلول. الرسالة واضحة ومفادها أن الدولة العاجزة عن ضبط مخيم فلسطيني نزعت منه سلاحًا غير شرعي، لا يحق لها نزع سلاح “المقاومة”.

وليس مستغربًا توجيه مثل هذه الرسائل مع كل خطوة تقوم بها الحكومة لفرض السيادة، تحديدًا، ذلك أن “حزب الله” لا يملك إلا أن يركب أعلى ما تبقى من خيله، لا يوفر وسيلة لخلخة الأمن في لبنان مع البقاء بعيدًا عن الصورة، ويحرك جيوبًا هنا وهناك لإظهار قرارات الدولة هزيلة وسخيفة، تمامًا كما كان يحرك الجماعات المتطرفة التي زرعها برعاية إيران والنظام الأسدي في عين الحلوة.

فـ “الحزب” يدرك جيدًا أن ما كتب قد كتب، ولا عودة عنه، إلا أنه يسعى لتجميد قرار تسليم سلاحه، للحد من خسائره، منتظرًا أي تغيير في الموازين يسمح له بالقول إن “قرار نزع السلاح لا يساوي الحبر الذي كتب به، والوقت حان لينقعه من كتبه ويشرب ماءه”، تمامًا كما حصل بعد “إعلان بعبدا”. ولعل المعلومات المسربة عن تهريب إيران ملايين الدولارات إليه، تصب في هذا المنحى وتضخ ما يمنحه مصلًا للاستمرارية.

لذا يلوِّح بعدم التعاون مع الجيش في الجنوب، وكأنه يسدد سكينه إلى نحره، إذا ما قرر الجيش إخلاء الساحة له. حينها سيعطي إسرائيل “Carte blanche” لتجتاح على راحتها.

وقد يكون العدو بانتظار مثل هذه الحماقة، ويعمل على تعزيزها حتى يقوم بمزيد من الاعتداءات التي تحقق له أطماعه وتشبع شهيته المفتوحة على “إسرائيل الكبرى”.

وقد يكون “الحزب” ساعيًا إلى هذه الحماقة، ليعيد مشهدية 1982، فيبرر وجود السلاح لتحرير الأرض. لذا ليس مستبعدًا أن يركب أعلى ما في خيله. ولا ينتبه الى أن الخيل ربما باتت من دون قوائم بفعل المشاريع المرسومة للمنطقة.

أو أن إيران، وكما في الثمانينات من القرن الماضي، ستدفع “الحزب” باتجاه خطف الدولة، كما خطف الرهائن حينذاك، لتفاوض هي وتجني المكاسب على عادتها.

فخراب لبنان لا يقض مضجع إيران، لا يهمها وجوب أن تكون الأولوية اليوم، لمطالبة المجتمع الدولي بمحاسبة إسرائيل على جرائمها وإبادتها للفلسطينيين في غزة وأطماعها التوسعية وقضمها الأراضي اللبنانية والسورية، ولتحرك عربي وعالمي مقرون بالأدلة القانونية ووسائل الضغط للجم الجرائم الإسرائيلية.

صحيح أن استخدام هذه الجرائم ذريعة لـ “الحزب” وإيران هو أيضًا جريمة، لأنها تجر لبنان إلى مزيد من الانهيار والفوضى وازدواجية السلاح والاعتداء على السيادة وتقويض مؤسسات الدولة، المهم بقاء كل طائفة في البلد مستنفرة وخائفة، وبحاجة إلى حماية خارجية.

لكن الصحيح أيضًا أن المتاح اليوم مع جهود رئيسي الجمهورية والحكومة جوزاف عون وتمام سلام لاستعادة الدولة بحكمة وحزم وابتلاع للاستفزازات، لن يكون متاحًا في الغد بلا خيل ولا خيالين ربما…

اخترنا لك