بقلم أحمد عياش
مرّ أمس، اليوم التالي على ترحيب الحكومة بخطة قيادة الجيش لتنفيذ قرار الحكومة في 5 آب الماضي حصر السلاح بسلام على المستوى الميداني، فلم يسجل حتى إعداد المقال أن إسرائيل قامت بأية عملية في الجنوب او استهدفت أيًّا من عناصر “حزب الله” كما تفعل يوميًا.
حلّت نعمة الهدوء هذه متزامنة مع طلب وجّهه رئيس الجمهورية جوزاف عون إلى قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي الأميرال براد كوبر لتفعيل عمل لجنة الاشراف على وقف الاعمال العدائية (MECHANISM) لتأمين تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في شهر تشرين الثاني الماضي، لجهة وقف الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان.
كما حلت نعمة الهدوء هذه بعدما صرّح المسؤول في “حزب الله” محمود قماطي لرويترز بأن تنفيذ خارطة طريق الأميركية مرهون بوقف إسرائيل غاراتها وتسحب قواتها من جنوب لبنان.
وهكذا، نعم لبنان عمومًا والجنوب خصوصًا بهدوء بدا وكأنه مكافأة على تطوّر ملف حصر السلاح. لكن إلى متى يستمر هذا الهدوء؟
يعرف القاصي والداني بمن فيهم الأطفال، أن جوهر قرار 5 آب هو نزع سلاح “حزب الله”. غير أن “الحزب” لم يشاطر حليفه رئيس مجلس النواب نبيه بري بالفرح الذي أبداه بعد جلسة الحكومة أول أمس الجمعة عندما قال “إن الرياح السامة بدأت تنطوي”. وعبّر بري عن رفضه القاطع لأي تحرك في الشارع قائلاً: “أنا ضد أي حراك في الشارع، ولو اقتضى الأمر أن أنزل شخصياً لمواجهته”.
وجاء الرد سريعًا من “حزب الله”. فشدّد النائب علي عمار، في حديث لقناة “المنار” مساء جلسة الحكومة، على “أنّ الذي يريد نزع الشرعية عن سلاح المقاومة هو منزوع الشرعية”. وعن موقف “حزب الله” من جلسة الحكومة التي رحبت بخطة الجيش لحصر السلاح، أجاب عمار: “الحكومة كانت كمن كان فاقدًا لهويته ويحاول البحث عنها ونسي أنها في حاضنته الداخلية”. واعتبر أنّ “رئيس الحكومة نواف سلام غير موضوعي، وأشعر أنّه غير متتبع للظروف التي مرّ بها لبنان”.
وحذا أمس النائب حسن عز الدين حذو عمار فأكد أن “المقاومة لن تسلّم سلاحها الذي يعتبر بالنسبة لنا جميعًا جزءًا من إرادتنا وروحنا ومن حياتنا وبقائنا ووجودنا وأمانة الله بين أيدينا”. وقال: “يجب على من صاغ القرار الخطيئة والمتسرع والمتهور والمتمثل بسحب سلاح المقاومة وخضع لهذا القرار، أن يعيد النظر به”.
في المقابل، ظهرت صورة أخرى في إسرائيل وايران غداة جلسة الحكومة في 5 أيلول.
ففي إسرائيل، التقى رئيس أركان الجيش الإسرائيلي اللفتنانت جنرال إيال زامير بقائد القيادة المركزية الأميركية الأميرال براد كوبر للمرة الأولى، حسبما أعلنت القيادة المركزية الأميركية. وجاء اللقاء مباشرة بعد اجتماع الجنرال الأميركي بالرئيس عون.
وقال الاميرال كوبر بعد لقائه الجنرال الإسرائيلي: “تحافظ الولايات المتحدة على التزام صارم بأمن إسرائيل. نحن ملتزمون بشكل متبادل بتعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين”.
ووفقًا لتقارير عربية، كما أشارت صحيفة “جيروزاليم بوست”، شارك كوبر في محادثات بين الحكومة اللبنانية و”حزب الله” حول خطة لنزع سلاح “الحزب” ونقل السيطرة الأمنية على جميع الأراضي اللبنانية إلى القوات المسلحة اللبنانية. وشددت إسرائيل على أن مثل هذه الخطوة شرط أساسي لتحقيق واقع أمني جديد في الشمال.
في الوقت نفسه، كانت هناك تقارير متزايدة في كل من إسرائيل والولايات المتحدة تفيد بأن مواجهة أخرى مع إيران هي احتمال يجب على جميع الأطراف الاعتراف به.
وينظر الجيش الإسرائيلي إلى كوبر على أنه عنصر حاسم لمواءمة الجهود مع واشنطن بشأن إيران، وبخاصة بعد أن وصلت العلاقات العسكرية إلى ذروتها خلال عملية “الأسد الصاعد” في حزيران الماضي. وحافظ سلفه، مايكل كوريلا، على علاقات وثيقة مع القيادة الإسرائيلية واتخذ موقفا متشددا ضد طهران ونفوذها الإقليمي.
وفي السياق ، جاء في صحيفة “يديعوت احرونوت” تحذير محللين ومسؤولين من “أن إعطاء الجيش اللبناني مسؤولية نزع سلاح “حزب الله” قد يؤدي إلى مواجهات داخلية ويحوّل الصراع مع إسرائيل إلى نزاع داخلي”. وقالت الصحيفة: “لا يزال “حزب الله” يمتلك ترسانة كبيرة، بما في ذلك الصواريخ الدقيقة وآلاف الصواريخ والطائرات المسيرة، بعضها يتم إنتاجه محليًا بعد سقوط نظام الأسد في سوريا الذي قطع طرق التهريب البرية”.
وعلى المقلب الإيراني، وتحت عنوان “يستحيل حصر السلاح دون حصر السيادة”، كتب المحرر السياسي في صحيفة “كيهان” الناطقة بلسان النظام الإيراني: “لا زالت الساحة اللبنانية تغلي على اشدها خاصة بعد قرار الحكومة في 5 آب برئاسة نواف سلام الذي عاد وأكد في جلسة الجمعة مناقشة خطة الجيش التي لفها بعض الغموض و السرية .لكن ما يراه المراقب ان القرار، بحصر السلاح بيد الحكومة هو قرار اميركي صهيوني بامتياز وليس قرارها. واليوم يتساءل الرأي العام اللبناني ماذا فعلت حكومة سلام تجاه العدو الصهيوني واعتداءاته المستمرة يومياً من عشرة اشهر وحتى الان واصراره على احتلال الارض اللبنانية وعدم اطلاق سراح الاسرى، لكنها تصر على نزع سلاح “حزب الله” الذي هو قوة للبنان وسيادته واستقلاله فيما يشير البعض ويتساءل لماذا هذا العداء تجاه طائفة اساسية حمت لبنان سماءً وارضاً وبحراً، وان اي قرار في غياب هذا المكون هو خارج الدستور وخارج الميثاقية.
وسط هذا النقاش تتواصل التهديدات الاميركية بأن الوقت في حال النفاذ وعلى الحكومة أن تسارع في اتخاذ القرار وإلا فإن المساعدات الاميركية ستقطع عن الجيش اللبناني، وما هو مؤسف ما يردّده بعض المراقبين أن القرار ليس بيد الحكومة اللبنانية وانما هو قرار اميركي – سعودي بعيداً عن مصالح لبنان وسيادته وشعبه. والانكى من كل ذلك ان الحكومة اللبنانية التي تصر على تنفيذ الورقة الاميركية هو إعطاء مبرر لاستمرار العدو الصهيوني في تدمير لبنان وقتل ابنائه وعلى الحكومة التي تدعي حرصها على لبنان لا يمكن ان تستقيم في اصرارها على حصر السلاح دون حصر السيادة”.
نام اللبنانيون بعد جلسة مجلس الوزراء الجمعة وهم يأملون بأن نعمة حصر السلاح قد هبطت على لبنان. وبدا ان هذا الحلم الجميل قد وجد تأكيدًا في تصريح الرئيس بري الذي ابدى استعدادًا للنزول الى الشارع لحماية قرار الجلسة.
لكنّ اللبنانيين الذين تسنّى لهم مشاهدة مسؤولي “حزب الله” وقراءة تصريحاتهم، وكذلك متابعة إفتتاحية “كيهان” معطوفة على ما وصل من إسرائيل بعد لقاء الجنراليّن الأميركي والإسرائيلي، تبيّن لهم ان الوقت ما زال مبكرًا لعقد حلقة الدبكة مع بري كي لا يخيب أملهم إذا ما دبكت مجددًا. وفهم بعض المحللين أن “حزب الله” يطالب بنزع سلاح إسرائيل وبقاء سلاح “الحزب” الذي صارت له صفة “إلهية” على حد تعبير النائب حسن عز الدين الذي اعتبر سلاح “الحزب” بانه “أمانة الله بين أيدينا”!