شبكات التهريب و #الكبتاجون بين #إيران و #فنزويلّا و #الأرجنتين
–
بقلم غادة المرّ
@GhadaMurr
موت أبيض ،لذيذ عابر للحدود والقارات والضمير …
مصانع كالفطر زرعت فوق الأرض وتحتها وانتشرت وفاقت عدد الأفران والمقاهي وصالونات الحلاقة والصيدليات والمطاعم. وروجت في المدارس والجامعات والأحياء والملاهي الليليّة وأماكن السهر.
بلا رقيب أو حسيب.
لطالما أيقنت أنّ الإنسان هو عدو نفسه، ومجتمعه. هو أخطر من الحيوانات المفترسة في الأدغال، يبيع ضميره وانسانيته بحفنة دراهم، وتعمي بصيرته لمعان الذّهب والمعادن والنفط وجنون السلطة والتحكّم. يبيع الغالي والرّخيص لمجد كرسيّ ومنصب وممتلكات وثروات فانيّة… لم أخف يوماً من الحيوانات ، فهي أرحم وأحنّ من الإنسان وتحفظ الجميل ولا تقتل الّا حين تجوع، لا شيء يرعبني في هذه الحياة ،أكثر من شر وطمع وقسوة وجنون عدائية البشر ، حين يتجرّدون من ثياب التقوة والرّأفة والإنسانيّة.
فالإنسان يمعن في قتل وتشويه وتدنيس وتلويث الطبيعة وجوف الأرض والبحار والغابات والحيوانات.
ويشوه كلّ أشكال الحياة وجمالياتها، ويكدّس السلاح ويصنع الذخائر ويخترع الحروب ويحرق ويدّمر الحجر والمدن ويقتل البشر ، هوساً بالسلطة والثروات والمناصب وحبّ السيطرة.
خلال العقدين الماضيين، تراكمت دلالات على تعاون سياسيّ واقتصاديّ وأمنيّ بين إيران وفنزويلّا، مع شبكات ماليّة وتجاريّة تهدف الى التحايل على العقوبات وتبادل الدّعم السياسيّ. أمّا روافد الاتّهام بوجود روابط بين هذه المحاور وجرائم تهريب المخدّرات، وبشكل خاص تجارة الكبتاجون وعمليّات تبيض الأموال.وفتحت تحقيقات وعقوبات أميركيّة وأوروبيّة. كما أشارت تقارير استخباراتيّة وتحليليّة، إلى وجود حلقات تواصل بين شبكات في الشّرق الأوسط (مرتبطة بحزب الله ) وبين دول أو تجمّعات في اميركا اللاتنيّة.
بعد تصاعد عزلة إيران الاقتصاديّة والدّبلوماسيّة، وسّعت طهران علاقاتها مع دول “مرافئ” سياسيّة، واقتصاديّة يمكنها تقديم ملاذات آمنة للتجارة غير القانونيّة أو لتبديل الموارد (نفط، ذهب، خدمات نقل) مقابل موارد أو قدرات سياسيّة. فنزويلّا بدورها، واجهت عزلة دوليّة وعقوبات، مما دفعها للبحث عن شركاء بديلين في مجالات الطّاقة، التّمويل.
وثّقت وزارة الخزانة الأميركيّة في السّنوات الاخيرة، شبكات تبيض وتمويل مرتبطة بحزب الله وسلاسل متورّطة بتهريب الكبتاجون ، فيما تمّ استهداف أفراد وشبكات بعقوبات واعتقالات. هذه الاجراءت تشير الى وجود قنوات ماليّة وتجاريّة منظّمة.
ربطت بعض فروع حزب الله وشبكاته بالمهاجرين اللَبنانيّين، ومن ثمّ بوساطات تجاريّة في اميركا الجنوبيّة، خاصة في منطقة ثلاثيَة الحدود (البرازيل/باراغواي/ ارجنتين).
تشير الأدلّة وتضع غالبيَة إنتاج الكبتاجون في لبنان وسوريا، وما تحيط به من شبكات إقليميَة، وقد استخدمت طرق شحن تجاريَة عبر موانئ وسفناً لايصاله الى سوق الخليج وغيره. ولعلّ سقوط أو تبدّل السلطة في دمشق و لبنان يغيَر خريطة الإنتاج، لكنَه لا يوقف التجارة بل يعيد توجهها.
إستخدمت واشنطن العقوبات الواسعة واستهدفت الوسطاء الماليين وعصابات التهريب، وقد صرّحت بربط بعض عناصر الشّبكات بحزب الله و بجهات سوريّة مسؤولة عن الكبتاجون.
هل ستنجح واشنطن والعالم العربيّ من تدمير هذه الشبكات وفكّها؟ لنصلّي من أجل ذلك…
من المرجّح أن لا تتمكن واشنطن أن تفكّك الشبكة بأكملها على المدى المنظور وذلك لأسباب عديدة :
١ – تشتت الشبكات جغرافيّاً(سوريا،لبنان،دول الخليج، اميركا اللاتنيّة) وتتضمن هذه الشبكات ، تورّط دول ومسؤولين نافذين.
٢ – ثغرات إقتصاديّة وسياسيّة داخل دول (فساد،ضعف رقابة،) تسهّل إعادة تظهير الشبكات بعد كلّ ضربة.
٣ – أدوات واشنطن(عقوبات ماليّة، ملاحقات قضائيّة،ضربات محدودة) فعّالة ولكن محدودة بالقيود القانونيّة والدّبلوماسيّة وتحتاج الى تعاون إقليميّ واسع وهو غير متوافر بالكامل.
واشنطن حقّقت مكاسب مهمَة ومتتالية، وتمكنت من تجريد الشّبكات من قدراتها الماليَة عبر ضبط قنوات تبيض الأموال، وإحكام السيطرة على الموانئ والممرّات البحريَة، عبر شركات إقليميّة، وتمكّنت من استهداف الوسطاء الرئيسيين، عبر إجراءات جنائيّة ودبلوماسيَة. ولعلّ هذه الاستراتجية السلوقيّة (إضعاف متكررّ وممنهج) قد ادّت لتقليص حجم التجارة، وما تدرَه من تمويل على المدى المنظور . ولكن يصعب القضاء عليها كلَياً. فهي ظاهرة راسخة لها طلب واسع محلّي واقليميّ وتدّر ملايين الدولارات .
هذه الآفة العالميَة خطيرة جداً ، فهي تدمّر الأجيال و تساهم في تمويل الارهاب وتبيض الأموال وشراء الأسلحة.
والتعامل مع هذه الآفة القاتلة والمحرّمة دوليّاً، يتطلّب نهجاً متعدّد الأبعاد:
– فرض عقوبات ذكيّة على الوسطاء
– تعزيز التعاون الاستخباراتيّ مع دول اميركا اللاتنيَة ودول الخليج
– دعم قدرات مكافحة التهريب في الموانئ ومكافحة الطّلب عبر برامج توعيّة وتثقيف للأفراد والمجتمع.
التهريب والمخدرات ثقب أسود، يبتلع شبابنا، يسرق الحياة ويترك الإنسان رماداً، يبتلع الألوان والفرح ويرحل. صنّاع تجارة الأبيض القاتل، هم ليسوا بشراً … كيف يجرؤون يا الله ؟