إنّي أُحذّر من تمادي هذا #التعذيب الساديّ المازوشيّ

بقلم عقل العويط

إنّي، بتهيّبٍ عظيم، مُنعِمٌ العقلَ في الأحوال اللبنانيّة، وما نحن فيه من دورانٍ في حلقاتٍ مفرغة، تحت وطأة “العصبيّات الخلدونيّة”، وانحطاط العقل، وفساد دولة المؤسّسات، وعطبها البنيويّ، وانعدام سيادتها على ذاتها ووحدانيّة سلاحها، وما تستولده هذه الرذائل من مآسٍ وفواجع، ليس في الأفق القريب ما ينبئ بالخروج منها.

سيمضي وقتٌ طويل على الأرجح، قبل أنْ يتحقّق هذا التطلّع. لن أقول إنّه يستحيل الارتقاء إليه، لئلّا أحكم بالاغتيال والوأد، لا على ما بقيَ لي من مواهب العيش والحلم والأمل والحرّيّة، بل أيضًا على حركة التاريخ، ومصير اللبنانيّين.

ليس ما يدعو، والحال هذه، إلى ارتكاب الشطط (التهويميّ) نفسه، وإلى تكرار الندم، وبأشكالٍ مأسويّةٍ لا تني تتجدّد، وتتّخذ كلّ مرّة أبعادًا تجعل المرء “يترحّم” على ما مضى من شططٍ مماثل، ومن كوارث ومواجع.

سيمضي وقتٌ طويلٌ قبل أنْ نخرج إلى الحال المدنيّة (بل ولِمَ لا العلمانيّة)، بحيث “نقتنع”، من طريق وعي الوقائع والمعطيات الموضوعيّة والتاريخيّة، بلزوم التخلّي الطوعيّ عن “العصبيّات الخلدونيّة”، على أنواعها، بما يستدعيه ذلك من تسليمٍ بفلسفة الدولة، واستيعاب ما تضمره الطوائف والمذاهب من هواجسَ ومخاوفَ ومكبِّلاتٍ ومكبوتاتٍ وغرائزَ وعنصريّاتٍ، فنخرج آنذاك من جلجلة التاريخ المهيضة، وممّا نجرجره جيلًا بعد جيل، إلى اصطفاء ما لا بدّ من اصطفائه بالعقل.

أقول ذلك بتهيّبٍ عظيم، ليس بسببٍ من يأسٍ واستسلامٍ لأمرٍ واقع، أو رضوخًا لجورِ ظرفٍ تاريخيٍّ ما، وتحوّلاتٍ جيوسياسيّة، هي عرضةٌ على الدوام للتبدّل والتغيّر. لا. وإنّما بسبب تكرار الخطأ نفسه، وعدم استيلاد المؤهّلات الذاتيّة والموضوعيّة، الداخليّة والخارجيّة، التي تفتح الطريق إلى الدولة.

يجب وعي هذا “الواقع” بكلّ جوارحه وشروخه ومراتبه، والتواضع حياله، وتجنّب التنمّر عليه، أو العمل على قسره وإرغامه.

بل يجب فهمه والاعتراف به، باعتباره “عطبًا بنيويًّا”.

بسوى هذين الفهم والاعتراف، نظلّ نحارب العدم بالعدم.

لا أستثني أحدًا، في الداخل خصوصًا، كما في الخارج، ممَّن ينبغي لهم أنْ يفهموا هذا القصور. كلُّ استغراقٍ في المهاترة، وكلُّ تفادٍ تهويميٍّ لتعيين هذه الحقيقة، واستعراض معطياتها ومركّباتها، وسبل وعيها، ومفاتيح الخروج منها، نكون نكرّر الشطط نفسه، ونقع في الندم المتكرّر إيّاه.

إذا كان ثمّة مَن يخشى الخطورة المتفاقمة لهذه الحال، المنذرة بسوء المصير، وإذا كان هنا، وفي أروقة الأمم الإقليميّة والدوليّة، مَن يعنيه حفظ لبنان من تمادي التعذيب الساديّ – المازوشيّ، بمآلاته الجهنّميّة، فإنّي أدعو هؤلاء إلى وجوب استنباط حلٍّ (آمنٍ) ما، خارج الحلول المتداوَلة، أو المتنازَع عليها.
أدعو (وأكرّر: بتهيّبٍ عظيم) إلى التفكّر في جدوى “وضع اليد” الأمميّة على لبنان، وبإجماع العالم، جنوبه وشماله، وسلميًّا، وبالتوافق بين المكوّنات والجماعات الداخليّة.

ليس عندي أيّ تصوّرٍ عملانيّ ملموس، فقهيّ – قانونيّ – دستوريّ – أمميّ، لفلسفة “وضع اليد”، بما يجعل لبنان بلدًا ناجيًا من دوّامة العذاب والتعذيب، محايدًا، ونائيًا بكينونته عن تجاذبات المحاور، وفوق الصراعات والمطامع.

في هذه الغمرة من تعقيدات الحلول والأثمان الباهظة المترتّبة على كلّ حلّ، إنّي أحذّر من الإهمال والتمادي في طمر الرؤوس في الرمال، لأنّه قد لا تحين فرصةٌ موضوعيّةٌ سانحة بعد الآن للخروج من هذا التعذيب الساديّ – المازوشيّ المتمادي والمستمرّ، إلى… الدولة.

اخترنا لك