ضربة #الدوحة : كسرٌ خطيرٌ لسيادة الدول #العربية ومحاولةٌ لجرّ العالم إلى حافة حربٍ أوسع

بقلم د. عبد العزيز طارقجي
@dr_tarakji

هزّت ضربة جوية إسرائيلية العاصمة القطرية الدوحة، بزعم استهداف قيادات من حركة حماس خلال ترتيبات تتصل بجهود وقف إطلاق النار.

الحدث ليس تفصيلاً عابرًا؛ إنّه انتقالٌ مُباشر للنزاع خارج مسرحه التقليدي إلى قلب دولةٍ عربية وسيطة ذات سيادة، بما يهدّد بإشعال سلسلة تفاعلات قد تجرّ الولايات المتحدة والغرب إلى مواجهةٍ أوسع، وتضع الشرق الأوسط—وربما العالم—على حافة تصعيدٍ كارثي.

سجلّ الاعتداءات عبر الحدود على أراضٍ عربية

الهجوم على الدوحة يُضاف إلى نمطٍ متنامٍ من العمليات العسكرية الإسرائيلية خارج فلسطين المحتلة، طال دولًا عربية في مراحل مختلفة:

– تونس (1985): قصف مقرّ منظمة التحرير قرب العاصمة.
– السودان (2009–2011): استهداف قوافل وأهداف قرب بورتسودان.
– العراق (2019): ضربات طاولت مخازن ومعسكرات لفصائل مسلّحة.
– سوريا (ممتدّة): ضربات متتالية داخل دمشق ومحيطها ومواقع مختلفة.
– لبنان (2024–2025): عمليات واغتيالات داخل الضاحية الجنوبية ومناطق أخرى.
– اليمن (2024–2025): ضربات استهدفت موانئ وبُنى طاقية ومواقع مدنية وعسكرية زعمت انها لجماعة الحوثي في الحديدة وصنعاء ومناطق ساحلية ضمن أزمة البحر الأحمر.
– قطر (2025): ضربة على الدوحة تُعدّ سابقةً خطيرة بحق دولةٍ غير طرف في الأعمال القتالية ومُنخرطة في الوساطة.
هذا التسلسل يرسّخ نمطًا من الاستهداف العابر للحدود على أراضي دولٍ عربية ذات سيادة، بعيدًا عن تفويضٍ أممي أو موافقةٍ صريحة من الدول المستهدَفة.

التفنيد القانوني: أين يقف الهجوم من قواعد النظام الدولي

1 – حظر استخدام القوة (المادة 2/4 من ميثاق الأمم المتحدة):
يحظر الميثاق «التهديد أو استخدام القوة ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأيّ دولة». والقاعدة عامة وملزمة، والاستثناءات عليها محصورة ومفسَّرة تضييقًا.

2 – الدفاع الشرعي وحدودُه (المادة 51 من الميثاق):
حتى مع ادّعاء «الدفاع عن النفس» ضد فاعلٍ غير دولتي، فإن تنفيذ عملٍ قتالي على إقليم دولةٍ ثالثة (قطر) من دون موافقتها يصطدم بشروط الضرورة والتناسب واحترام السيادة. السوابق القضائية الدولية شدّدت أن مكافحة جماعات مسلّحة لا تُفلت من هذه القيود.

3 – مبدأ عدم التدخّل وميثاق العلاقات الودية (قرار الجمعية العامة 2625):
يفرض الامتناع عن الإكراه العسكري والسياسي ضد الدول، ويصون وحدة الأراضي والاستقلال السياسي. ضرب دولةٍ وسيطة ينسف أساس الثقة الذي تقوم عليه جهود الوساطة.

4 – القانون الدولي الإنساني – حماية المدنيين (البروتوكول الإضافي الأول، المادة 51/2):
يحظر صراحةً «الأعمال أو التهديدات بالعنف التي يكون الغرض الأساسي منها بثّ الرعب بين السكان المدنيين». أي عملية تُعرّض المدنيين للخطر المباشر أو تقصد التأثير النفسي على الجمهور تُعدّ محظورة.

5 – الشرعة الدولية لحقوق الإنسان – الحق في الحياة وعدم التعسّف:
الحق في الحياة مكفول في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 3) وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 6). القتل خارج نطاق القانون على أرض دولةٍ غير منخرطة في نزاع مسلّح يُعرّض مرتكبيه للمساءلة الدولية.

قاعدة راسخة: لا مشروعية لاستهداف يُفضي إلى ترويع المدنيين تحت أيّ ذريعة. حماية السكّان أصلٌ غير قابلٍ للتصرّف، وهي معيار محوري لتقويم شرعية أيّ عمل عسكري.

«الضوء الأخضر» ومحاولة جرّ الغرب إلى نزاعٍ أوسع

تتداول وسائل إعلام إسرائيلية وأجنبية تقارير عن «ضوء أخضر» أمريكي من إدارة الرئيس دونالد ترامب لهذه الضربة، مع الإشارة إلى إبلاغ واشنطن مسبقًا بالعملية.

ورغم تضارب الروايات ونفي المسؤولية المباشرة، فإن الدلالة السياسية الخطيرة تبقى قائمة: توسيع ساحة الحرب إلى دولةٍ حليفة للولايات المتحدة وذات دور وساطة مركزي، بما يعقّد حسابات واشنطن وحلفائها ويقوّض مسار التهدئة.

خلاصة منهجية: التعامل مع تلك المزاعم على أنها ادعاءات قيد التحقّق، دون البناء عليها كوقائع قاطعة، مع إبراز أثرها السياسي في تأزيم البيئة الإستراتيجية.

لماذا يُهدّد هذا التطوّر علاقات واشنطن–الدوحة

– قطر حليفٌ رئيسي غير عضو في الناتو، وتستضيف قاعدة العديد الجوية ومركز قيادة العمليات الجوية المشتركة.
– أيُّ عملٍ عسكري أجنبي على أراضيها، من دون تفويضٍ دولي أو موافقة قطرية، يُربك الترتيبات الأمنية الأمريكية، ويمسّ مصداقية الضمانات تجاه الحلفاء، ويقوّض دور الوساطة الذي تحتاجه واشنطن للخروج من أزمات المنطقة بأقلّ الأكلاف.

المخاطر الإقليمية والدولية

– انهيار مسارات الوساطة: ضرب دولةٍ وسيطة يبعث رسالة ردعية لجهود التسوية ويُغري بتغليب منطق القوّة.
– توسّع رقعة النزاع: انتقال العمليات إلى دولٍ عربية أخرى يزيد احتمال انفلاتٍ إقليمي.
– تدويل الأزمة: مع تضارب المصالح والتحالفات، يصبح خطر الاصطفاف الدولي أعلى، بما يستنزف موارد ويولّد أزمات طاقة وممرّات بحرية وتجارة عالمية.

خطوات عاجلة لوقف التصعيد وحماية السيادة

1 – توثيقٌ ومساءلةٌ دولية: إحالة الواقعة إلى مجلس الأمن والجمعية العامة لتسجيل خرق السيادة ومطالبة الأمين العام بتقريرٍ خاص حول آثارها على السلم والأمن.
2 – تحصين حصانة الوساطة: إعلانٌ عربي–دولي يقرّ بأن الدول الوسيطة ومقارّ المفاوضات مناطق محمية سياديًا، وأيّ استهداف لها يفتح باب إجراءات جماعية.
3 – خطوطٌ حمراء أمريكية–غربية واضحة: التزامٌ علني باحترام سيادة الحلفاء وعدم التوسّع العملياتي خارج ساحات القتال، بما يحفظ مصالح واشنطن وشراكاتها.
4 – آليات وقاية للمدنيين: تفعيل قنوات إنذار مبكر وحماية البنى المدنية، وتجريم أيّ نمطٍ من ترويع السكان أو استهدافهم المباشر أو غير المباشر.
5 – إحياء مسار سياسي مُضادّ للتصعيد: ربط المسارات الأمنية بتنازلاتٍ سياسية ملموسة وجدولٍ زمني واضح لخفض التصعيد، وتشجيع ترتيبات تبادل أسرى ووقف نار مراقَب دوليًا.

في الختام، إن ضربة الدوحة تحوّلٌ نوعي في مسار صراعٍ يخرج عن السيطرة والضوابط.

قانونيًا، هي خرقٌ لقاعدة حظر استخدام القوّة وتمسّ بسيادة دولةٍ غير طرفٍ في القتال؛ وسياسيًا، هي مقامرةٌ قد تشقّ الطريق إلى تدويلٍ خطير للنزاع.

المطلوب اليوم ليس سجالًا في الروايات، بل تثبيت القواعد: احترام سيادة الدول، حماية المدنيين، وصون دور الوساطة. فمن دون ذلك، سنظلّ نقترب خطوةً بعد أخرى من حافة الهاوية—حيث لا منتصر، بل خرائب تتقاسمها الفوضى.


* صحافي استقصائي وباحث في الانتهاكات الدولية لحقوق الانسان

اخترنا لك