وزير الداخلية أمام مسؤولية مباشرة
–
خاص بوابة بيروت
في ظلّ تنامي المخاوف من توسّع الانتهاكات داخل المؤسسات الأمنية اللبنانية، برزت معطيات خطيرة تسلّط الضوء على ممارسات تُناقض القانون وتهدّد معايير العدالة الأساسية. وقد كشف الصحافي الاستقصائي والباحث في الانتهاكات الدولية لحقوق الإنسان د. عبد العزيز طارقجي، في حديث خاص لـ”بوابة بيروت”، أنّ ما يجري داخل بعض غرف التحقيق في شعبة المعلومات لم يعد محصورًا في إطار الأخطاء الفردية، بل بات يمثّل نهجًا منهجيًا يضرب جوهر العدالة ويمسّ كرامة الإنسان بصورة مقلقة.
وأكد أنّ الشهادات التي وصلت إليه من مصادر متعددة تكشف ممارسات تعذيب نفسي وجسدي، وعمليات انتزاع اعترافات بالقوة، وحرمان للموقوفين من حقوقهم الأساسية. تمت في عدد من مراكز شعبة المعلومات لا سيما في مدينة بيروت. وقال أن هذه الأساليب البوليسية الترهيبية تشكّل جريمة تعذيب بالمعنى القانوني.
صناعة اعترافات… لا صناعة عدالة
وقد أشار د. طارقجي إلى أنّ بعض الملفات داخل شعبة المعلومات تُدار على قاعدة “إغلاق القضية بأي ثمن”، وهي عقلية خطيرة تُحوّل التحقيق الجنائي من أداة للوصول إلى الحقيقة إلى أداة لتصنيع الجناة بدل كشف الجناة الحقيقيين.
هذا النهج، بحسب قوله، يقوم على البحث عن شخص يسهل إلصاق التهمة به، لا على متابعة الأدلة العلمية، ما يؤدي إلى خلق “مجرم ورقي” يُستخدم لاقفال الملف وتقديم إنجاز شكلي للجمهور.
وقال، إنّ الاعترافات المنتزعة بالقوة لا قيمة قانونية لها، مشيرًا إلى أنّ القانون اللبناني نفسه يجرّم استخدامها، إذ تنص المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنّ أي إفادة تؤخذ تحت الضغط أو الإكراه تُعد باطلة حكماً. كما يؤكد القانون رقم 65/2017 الخاص بتجريم التعذيب أنّ أي اعتراف يُنتزع نتيجة التعنيف الجسدي أو النفسي يُعتبر غير قانوني ولا يجوز الأخذ به في أي محاكمة.
وأضاف أنّ هذا الأسلوب لا يشوّه العدالة فحسب، بل يفتح الباب أمام تحريف الحقيقة وتضليل القضاء، ما يُعد بحدّ ذاته وفق القانون اللبناني جريمة تُحاسَب عليها الجهات التي تقوم بها.
جريمة مضاعفة: تهديد العائلات كسلاح للتحقيق
وأوضح د. طارقجي أنّ أخطر ما ظهر في الشهادات التي تلقاها هو الضغط على عائلات الموقوفين، عبر التهديد بالاعتقال أو الملاحقة أو التشهير، وهي ممارسات لا تطال الموقوف وحده، بل تمسّ البُنية الأسرية بأكملها، ما يجعلها جريمة مركّبة. كما تتناقض هذه الممارسات بشكل صارخ مع:
• المادة 8 من الدستور اللبناني التي تحمي الحرية الشخصية وتحظر التوقيف التعسفي.
• اتفاقية مناهضة التعذيب (CAT) التي وقّع عليها لبنان، والتي تعتبر أي تهديد موجّه للموقوف أو أحد أفراد عائلته شكلًا من أشكال التعذيب النفسي.
• المادة 7 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي تحظر التعذيب والمعاملة المهينة أو القاسية.
وأكد طارقجي أن “من يهدّد زوجة أو طفل موقوف… لا يقوم بتحقيق، بل يرتكب جريمة تخويف ممنهجة تُناقض كل الأعراف القانونية والإنسانية.”
وأضاف: “هذه الأساليب ليست فقط مخالفة للقانون… بل تُسقط شرعية أي جهاز أمني يعتمدها. التحقيق الذي يُبنى على الترهيب هو تحقيق فاسد، والملف الذي يُقفل باعتراف قسري هو ملف باطل من أساسه.”
خرق للقوانين المحلية والدولية… ومسؤوليات مباشرة على وزارة الداخلية والحكومة ورئاسة الجمهورية
شدّد د. طارقجي على أنّ الانتهاكات التي جرى توثيقها داخل شعبة المعلومات تُعدّ خرقًا فاضحًا للقوانين اللبنانية والدولية على حدّ سواء، إذ تشكّل تعديًا مباشرًا على:
• المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تضمن حق الموقوف بمحامٍ وتحظر الضغط والإكراه.
• القانون 65/2017 لتجريم التعذيب الذي يعاقب أي موظف رسمي يستخدم العنف أو الضغط لانتزاع اعتراف.
• الدستور اللبناني (المقدمة ب وج) الذي يلزم الدولة باحترام الحريات العامة والاتفاقات الدولية.
• اتفاقية مناهضة التعذيب (CAT) .
• العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
وقال إنّ مسؤولية التصدي لهذه الانتهاكات لا تقع على شعبة المعلومات وحدها، بل تمتدّ لتشمل:
• وزارة الداخلية بصفتها الجهة المشرفة مباشرة على الجهاز،
• الحكومة اللبنانية بصفتها السلطة التنفيذية الأولى المسؤولة عن منع التعذيب ومحاسبة المخالفين،
• رئاسة الجمهورية بصفتها رأس الدولة والضامن لاحترام الدستور والمواثيق الدولية التي التزم بها لبنان.
وأكد أنّ “الصمت الرسمي أو الاكتفاء ببيانات عامة يخوّل هذه الانتهاكات للاستمرار ويحوّل الدولة إلى شريك صامت، لا إلى سلطة رادعة”.
وطرح طارقجي سلسلة مطالب عاجلة وملزمة، أبرزها:
1. فتح تحقيق مستقل وعلني في جميع الملفات التي تتضمن شبهة تعذيب أو انتزاع اعترافات بالقوة.
2. تعليق فوري لعمل الضباط والعناصر المشتبه بتورّطهم في هذه الممارسات لحين انتهاء التحقيقات.
3. تسجيل كل جلسات التحقيق بالصوت والصورة وبشكل إلزامي وغير قابل للإلغاء.
4. ضمان وصول الموقوف إلى محامٍ فور توقيفه دون أعذار أو تأخير.
5. إبطال جميع الاعترافات المنتزعة بالإكراه وإعادة النظر في الملفات القضائية التي اعتمدت عليها.
6. إحالة المتورطين إلى القضاء المختص ومحاسبتهم وفق القوانين دون أي غطاء سياسي أو أمني.
7. توفير حماية كاملة للموقوفين والشهود من أي أعمال انتقامية أو ضغوط.
وأضاف: “المحاسبة ليست خيارًا سياسيًا… بل واجب دستوري وأخلاقي يقع على عاتق الدولة بكل مؤسساتها.
التزامات لبنان أمام المجتمع الدولي والشرعة العالمية لحقوق الإنسان
أشار طارقجي إلى أنّ هذه الانتهاكات لا تُخالف فقط القوانين الداخلية، بل تتناقض جوهريًا مع الالتزامات الدولية التي تعهّد بها لبنان أمام المجتمع الدولي، وتضعه تحت خطر المساءلة الحقوقية والأممية.
وأكد أنّ لبنان هو عضو موقّع على منظومة شاملة من الاتفاقات التي تُحرّم التعذيب بشكل مطلق، من بينها:
• الإعلان العالمي لحقوق الإنسان – المادة 5: تحظر التعذيب والمعاملة القاسية أو المهينة دون أي استثناء.
• العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية – المادة 7 والمادة 14: تحظر التعذيب والإكراه وتضمن حق المتهم بمحاكمة عادلة وعدم إجباره على الاعتراف.
• اتفاقية مناهضة التعذيب (CAT)، التي تُلزم لبنان بـ:
o التحقيق الفوري في أي ادعاء تعذيب،
o محاسبة المرتكبين مهما كانت رتبهم،
o عدم استخدام أي اعتراف منتزع بالقوة،
o توفير الإنصاف والتعويض للضحايا،
o ضمان عدم تكرار الانتهاكات.
• مبادئ الأمم المتحدة لحماية الموقوفين والسجناء (1982) التي تفرض وجود محامٍ منذ لحظة التوقيف ومنع أي ضغط نفسي أو جسدي.
وقال إنّ التزامات لبنان أمام المجتمع الدولي ليست “شرفية” أو “تجميلية”، بل ملزمة قضائيًا وسياسيًا، ويمكن أن تُعرّض الدولة لاحقًا:
• لانتقادات وتقارير دولية،
• أو مساءلة أمام لجان الأمم المتحدة،
• أو شكاوى حقوقية رسمية أمام هيئات أممية مختصة.
وختم بالقول: “لا يمكن للبنان أن يطالب المجتمع الدولي باحترام سيادته فيما هو ينتهك أبسط حقوق مواطنيه داخل غرف التحقيق. الشرعة العالمية لحقوق الإنسان ليست نصًا معنويًا… بل التزامًا واجب التطبيق.”