المراجعة قبل الفناء : #حماس بين الواقع والكارثة الوطنية

بقلم ميراز الجندي – كاتب ومحلل سياسي
@MirazJundi

في السياسة، لا تُقاس النوايا بالأهداف المُعلنة فقط، بل بالنتائج الفعلية على الأرض. وفي القضية الفلسطينية، حيث تراكمت الجراح على مدى أكثر من سبعين عامًا، باتت الكلمة مسؤولية والقرار مصيرًا، لا مجرد موقف أو شعار. لذلك، أصبح من الواجب اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، دعوة حركة “حماس” إلى وقفة ضمير، ومراجعة جريئة للتجربة، لا بروح المكابرة بل بمنطق الواقعية السياسية، الوطنية، والإنسانية.

من المقاومة إلى الأزمة المستدامة

انطلقت “حماس” كمشروع مقاوم، يحمل همّ الشعب الفلسطيني، ويتحدّى الاحتلال الإسرائيلي، ويرفع شعار “التحرير من النهر إلى البحر”. لكن بين الشعار والواقع، مرّت سنوات من المواجهات، والتهدئات، والانقسامات، والصفقات، والخيارات التي أدخلت قطاع غزة في دوامة لا تنتهي من الحروب والحصار والدمار.

ما تحقق فعليًا؟ هل تحررت الأرض؟ هل تعزّزت الوحدة الوطنية؟ هل تحسّن الوضع الإنساني؟
الإجابة واضحة: النتائج كارثية.
القطاع مدمّر، المواطن الفلسطيني هو الضحية الدائمة، والانقسام الفلسطيني أعمق من أي وقت مضى.

حرب 7 تشرين: من المبادرة إلى الانهيار

لا شك أن ما حدث في 7 تشرين الأول 2023، كان مفاجئًا، صادمًا، ومهولًا من حيث الشكل والوقع. لكن ما أعقب ذلك كشف حجم التقدير الخاطئ للنتائج، واستسهال خيار الحرب في ظل ميزان قوى مختل، ومع غياب الحماية الدولية، وانعدام الغطاء العربي الحقيقي.

الحرب الأخيرة لم تكن “انتصارًا” كما تُروّج بعض الآلة الإعلامية، بل كانت نكبة ثانية، تدفع غزة ثمنها وحدها. أكثر من 37 ألف شهيد، مئات آلاف الجرحى، دمار شامل، انهيار صحي واجتماعي واقتصادي، وبيئة خصبة لتطرف جديد يولد من تحت الركام.

احتكار القرار… وخنق الشعب

الكارثة الكبرى ليست فقط في الخسائر، بل في غياب آلية القرار. من اتخذ قرار الذهاب إلى الحرب؟ من فوّض قيادة “حماس” بحسم مسار ملايين الفلسطينيين؟ أين مؤسسات الدولة؟ أين التمثيل السياسي؟
إن احتكار السلاح وقرار السلم والحرب هو أزمة دولة لا أزمة فصيل، وهو ما حوّل غزة إلى ما يشبه “الكيان المستقل” الخارج عن منظمة التحرير الفلسطينية، وعن الشرعية الدولية، وحتى عن الإجماع العربي.

المشروع الإقليمي لحماس… تحرّر أم توظيف؟

لا يمكن تجاهل أن “حماس” تحوّلت، بفعل التمويل والدعم السياسي، إلى أداة ضمن محور إقليمي بقيادة إيران. وهذا الارتباط السياسي والعقائدي تجاوز حدود فلسطين، ليجعل من المقاومة منصةً لتصفية حسابات إقليمية.

وهنا يحق للشعب الفلسطيني، والعربي عمومًا، أن يسأل: هل لا تزال “حماس” حركة فلسطينية مقاومة، أم باتت رأس حربة لمشروع إيراني في المنطقة؟

وهل احتضان قطر، أو دعم تركيا، أو تمويل جهات غير معلنة، يصب في مصلحة فلسطين، أم يُغرق القضية في مزيد من التعقيد والابتزاز السياسي؟

حان وقت المراجعة… لا العناد

المكابرة ليست بطولة، والاستمرار في خيار أثبت فشله، يعني الانتحار السياسي والجماعي. لا عيب أن تعترف “حماس” بأن ما جرى هو إخفاق لا يمكن الدفاع عنه، وأن الكلفة تجاوزت كل حساب سياسي أو وطني أو ديني.

لذلك، فإن أولى الخطوات الجادة تبدأ بحلّ الجناح العسكري، والتخلي عن مشروع السلطة الأحادية في غزة، والدخول في تسوية فلسطينية داخلية حقيقية، تقوم على وحدة القرار والسلاح والتمثيل، ودمج المقاومة في مشروع سياسي متكامل، لا مشروع أمني مغلق.

لا الانتصارات الوهمية تنفع… ولا دماء الأبرياء تُتاجر

القضية الفلسطينية أكبر من فصيل، وأقدس من أي حساب سياسي. لا الشعارات تصنع انتصارات، ولا التضحيات تُعطي الشرعية إلى الأبد.
إن من يُريد فعلاً أن يخدم فلسطين، يجب أن يتواضع أمام حجم الكارثة، ويُقرّ بالواقع، ويتخذ قرارات صعبة، شجاعة، جريئة، تبدأ من إنقاذ الإنسان قبل تحرير الأرض، لأن الشعب هو الباقي، أما السلاح والمشاريع… فمصيرها التبدل والزوال.

اخترنا لك