الوزير #فادي_مكي

بقلم مروان الأمين
@m_elamine

كلّ الأنظار كانت مشدودة إلى جلسة مجلس الوزراء في الخامس من أيلول، حيث حمل الاجتماع عنوانًا أساسيًا ينتظره اللبنانيون: خطة الجيش لحصر السلاح بيد الشرعيّة على كامل الأراضي اللبنانية تنفيذًا لقرار الخامس من آب.

التوقّعات كانت واضحة منذ البداية: “الثنائي” الشيعي لن يتعاطى بإيجابية مع هذه الجلسة. ومع ذلك، حاول كلّ من الرئيسين جوزاف عون ونوّاف سلام إيجاد مخرج يحفظ ماء وجه “الثنائي” الشيعي وامتصاص التوتّر، عبر إدراج أربعة بنود إضافية على جدول الأعمال، واعتماد لغة مرنة من قبيل “الترحيب”، وصيغ أخرى شكلية، بنى عليها “الثنائي” حملة إعلامية رفعًا لمعنويات جمهوره. لكنّ هذه المناورات الشكلية لم تغيّر في الجوهر شيئًا. فالخطة أُقرّت، والجيش بات ملزمًا بتقديم تقرير شهريّ إلى الحكومة يشرح فيه مسار التنفيذ ميدانيًا.

ما خطف الأضواء في جلسة الخامس من أيلول لم يكن انسحاب وزراء “الثنائي” الشيعي ولا استمرار الجلسة من دونهم، بما عكس تراجع سطوة “حزب اللّه” داخل مجلس الوزراء وفي الحياة السياسية، بل كان الموقف المتقلّب للوزير فادي مكي. الرجل الذي خرج من جلسة السابع من آب متذرّعًا بانتظار خطة الجيش، والذي قدّم نفسه يومها حارسًا للجدّية، سرعان ما خذل اللبنانيين بخرق وعده العلني بعدم تكرار مغادرة أيّ جلسة حكوميّة.

الأدهى أنّ مكي غادر جلسة السابع من أيلول قبل أن يستمع حتّى إلى العرض الذي أعدّه قائد الجيش، أي العرض نفسه الذي ادّعى أنّه ينتظره.

المفارقة الفاضحة الأخرى أنّه لم يكتفِ بنقض وعوده، بل حاول أن يتذاكى على اللبنانيين: فوضع استقالته “بتصرّف رئيس الجمهورية” قبل مغادرته، وكأنّه أراد أن يسبق وزراء “الثنائي” الشيعي الذين تردّد حديث عن احتمال استقالتهم، ليظهر بمظهر “صاحب القرار”، لا التابع.

الوزير فادي مكي الذي آثر إرضاء “الثنائي” الشيعي على حساب مصداقيته واحترام تعهّده أمام اللبنانيين، فقد ما تبقّى من ثقة الناس به. الرجل الذي قدّم نفسه يومًا كـ “مستقل” وصاحب موقف يضع مصلحة الدولة فوق أيّ اعتبار آخر، انتهى به المطاف في موقع الدفاع عن السلاح، فوق مصلحة الدولة واللبنانيين.

المفارقة أنّ هذا السلاح الذي اختار مكي أن يغطّيه، بات عبئًا يهدّد الشيعة أنفسهم قبل غيرهم: فهو يمنع عنهم إعادة الإعمار، ويؤخّر عودتهم إلى قراهم وبلداتهم، ويحوّلهم إلى رهائن حسابات لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

ولعلّ ما عمّق هشاشة الوزير فادي مكي السياسية، أنّه اعترف جهارًا بأنّه “لا يستطيع حمل قرارات كهذه على كتفيه”. إذا كان عاجزًا عن تحمّل المسؤولية، فلماذا قبل بهذا المنصب أصلًا؟ ألم يكن يعلم سلفًا أنّ ملف السلاح هو التحدّي الأوّل والأكثر حساسيّة أمام الحكومة؟

الوزارة ليست لقبًا، بل مسؤولية أمام اللبنانيين، تقتضي الالتزام بالوعود لا نكرانها، وصلابة الموقف لا رخاوته، وشجاعة المواجهة لا الخضوع. ومن يقف عاجزًا أمام جوهر القضايا، يفقد ثقة الناس.

إن كان لدى الوزير فادي مكي أيّ رغبة في استعادة ولو جزء يسير من مكانته المعنوية في نظر اللبنانيين، فلا سبيل أمامه سوى الإصرار على استقالته. فالأحداث الأخيرة أثبتت بما لا يقبل الشكّ أنّه ليس على مستوى تحمّل المسؤولية، باعترافه الصريح نفسه، كما أثبتت أنّه أعجز من أن يلتزم بوعوده العلنية للبنانيين. البقاء في موقع كهذا لا يضيف إلى صورته إلّا مزيدًا من التآكل، فيما الخروج منه قد يكون أهون الطرق لحفظ ما تبقّى من ماء الوجه.

اخترنا لك