بقلم سناء الجاك
تؤكد إسرائيل رفضها حل الدولتين، وتعتبر أن حقها الشرعي يبيح لها إبادة الشعب الفلسطيني وطرده من أرضه، لتبتلعها بعد سلسلة الجرائم الوحشية التي ترتكبها. وهذا الحق يسمح لها باستباحة أمن الدول، حتى لو كانت حليفة لتقتص ممن ترى أنه يشكل خطرًا عليها، ولا تتوقف عند قرار مجلس الأمن الدولي الذي أدان اعتداءها على دولة قطر، وإن لم يحددها بالاسم.
وعلى الرغم من ارتكاباتها، تفرض إسرائيل على المجتمع الدولي الاعتراف بها كدولة طبيعية تسودها الديمقراطية، وتعتبر كل من يدين جرائمها بأنه نازي معادٍ للسامية، مستعيدة ما ارتكبه هتلر بحق اليهود.
بدوره، “حزب الله” يعتبر أن حقه الشرعي الاحتفاظ بسلاحه، وأن من يحاول سلبه هذا السلاح إنما يريد تكرار موقعة “كربلاء”، والتآمر على الشيعة لإبادتهم. لا يعنيه وجود دولة ومؤسسات وقرارات عليه أن يلتزم بها إذا ما كان مكوِّنا لبنانيًا لديه حقوق وعليه واجبات.
تملك إسرائيل القدرات العسكرية والاستخباراتية والدعم الأميركي، لذا تمعن في وحشيتها لتحقيق أهدافها. في حين يختلف وضع “الحزب”، فلا مال لديه ولا إنجازات ولا فائض قوة يهديها لبيئته، لذا ينصبّ اهتمام مسؤوليه على التخريب لإجهاض أي فرصة لاستعادة السيادة والشروع بعملية النهوض الاقتصادي، فيمنح نفسه الشرعية وينزعها عن الحكومة.
ويوحي لمن يصدقه أنه إذا ما تمكن من إسقاط هذه الحكومة، سيمحو آثار الهزائم ويواجه العدو الغاشم ويزيله من الوجود. ويطمئن الخائفين من مريديه على مصيرهم، أنه لا يزال يعبر من انتصار إلى انتصار.
وكأن المغالاة في النكران وإلغاء الوقائع يكفيان لمواجهة كل ما حصل ويحصل في المنطقة. وقمة النكران هو ادعاء “الحزب” جهوزيته لخوض غمار أي حرب مع العدو الصهيوني، إذا ما فرضت عليه. لكنه يفضل التمركز في منطقة الصبر الاستراتيجي، وكأن احتلال هذا العدو أراضيَ لبنانية واستباحته الأجواء بمسيراته ليلاحق عناصره، وأيضًا الشيعة السوريين الذين يدربهم في البقاع، كل هذا لا يفرض عليه إعلان الجهاد المقدس. بل يصر على مطالبة حكومة يخوّنها، بتحرير الأرض وإعادة الإعمار وتحرير الأسرى، لينصرف هو إلى إنشاء خلايا عابرة للحدود، لتهريب السلاح والكبتاغون المقاوم، وبالطبع، إعادة استنساخ خلية العبدلي في الكويت، وخطة التنسيق مع الإخوان المسلمين في مصر، لزرع خلايا جديدة وظيفتها تخريب أمن من قطع الطريق على المشروع الإيراني، الذي يستمر في محاولات إعادة تسليح “الحزب” بعدما فقد باقي الأذرع، على الرغم مما يتركه هذا الأمر من توتير لعلاقات لبنان مع اشقائه.
واقع الحال بين إسرائيل و”الحزب” أن الطرفين يدعيان احتكار “شرعية” ما، تسمح لكل منهما بارتكاب ما يفيد مصالحه على حساب الآخرين، كلٌ على قياسه ووفق قدراته، فإسرائيل تصعد بالقتل، والحزب يصعد بالتهديد والوعيد وببعض الحركات المكشوفة. لتبقى هذه “الشرعية” المنكوبة عدة الشغل لا أكثر ولا أقل.