آيتُكَ المسلّةُ ودمُ القماشة وملحمةُ #الموت و #الحرّيّة

بقلم عقل العويط

طينٌ هو الموتُ، وطينٌ هو الخلقُ، والترابُ عجينٌ، ومألومٌ، وموحلٌ، وجمالٌ أيضًا، وكلُّهُ، ودمٌ، ورمادٌ، وأرضٌ هي الأفولُ الممضُّ والهجعةُ المتأخّرةُ، ولا شروقٌ، وهي اليبابُ كلُّهُ، والركامُ والمتاهُ والهتافاتُ المخنوقةُ والحناجرُ المثقوبةُ، وهي تَضَرُّعُ الأيدي والعيونُ المسبلةُ والإباداتُ والحروبُ والمجاعاتُ والأوبئةُ المستحيلةُ والمصائرُ المكلومةُ والقبائلُ الأبديّةُ والقوافلُ والأحجارُ والأغبرةُ والأشهرُ والأعمارُ وأشجارُ الجنّةِ الموؤودة وهندسةُ الموتِ الموصولِ بالعروقِ بالشرايينِ وبالوجيفِ مرفوعًا على الأكفِّ على الويلاتِ، مرفوعًا وممتثلًا للزغرداتِ والمواويلِ، ومَن يصل لا يصل، وإنّما مسجّىً، ومَن لا يومئ فإنّما هو هاجعٌ هجعتَه، ومهيبٌ هو المشهدُ لأنّه الأبدُ مرئيًّا بعتمةِ الفكرِ، بسوادِ العينِ، وهو الخريطةُ المتخيَّلةُ واللّامحتملةُ للواقع، وليس من يقينٍ إلّا اليقينُ وهو الخرابُ، وعدمٌ جميعُهُ، وليس في المدى إلّا المدى مسفوحًا، وهكذا تكون الأحوالُ آنَ تُنحَتُ، آنَ تُرسَمُ، وآنَ المنحوتةُ واللوحةُ الكيانيّةُ تصيرُ ملحمةً وبلدًا وبلادًا، وتاريخًا وماضيًا وحاضرًا وحضارةً ومستقبلًا وفجيعةً، وجرحًا مفتوحًا على طريقٍ، ومعلّقةً تصيرُ، وتنوبُ عن المعلّقاتِ كلِّها، وشعراً وقصيدةً عن الأشعارِ والقصائدِ، وتصيرُ الإيقاعَ والوزنَ والتفعيلةَ وقصيدةَ الشعرِ والنثرِ، وتصيرُ بدرَ شاكر السيّاب، والعينين اللتين غابتا نخيلٍ، وساعةَ السحر، واللتين شرفتان، وناءَ عنهما القمرُ، وتصيرُ العشبَ المجزوزَ، والشوكَ، وهو الدموعُ والأمطارُ وهلعُ الأناشيدِ السومريّة في سومر، وأناشيدُ بابل، وملكُ أوروك القويّ، وأنكيدو، وهو الرجلُ البرّيّ، وشمخاتُ وهي الراهبةُ، والكاهناتُ والكهّانُ، وذاك الباحثُ عبثًا عن سرّ الخلود، ودعابةِ الموت، وأوتتابشتم، واللوحُ الأوّل، والأسدُ الجريحُ، والعنقاءُ، وموسيقى الجنازاتِ العموميّةِ وها هي ها هي، وتلخيصًا لأوركسترا القيامة، وليس للفناءٍ فناءٌ وانتهاءٌ، وأنْ تصيرَ الوجعَ مجموعًا بكاملِ فردوسِهِ وسمائِهِ، ومنفردًا بأبّهتِهِ المطأطِئة، وهو وجعٌ كالفلسفةِ، كالعقلِ منحدرًا إلى هيامِهِ المحرَّم، وهو قدرُكَ وعيشُكَ ونومُكَ وضغثُكَ وهجسُكَ وخلودُكَ وعشبةُ جلجامش، وهو الأنينُ وبلا صوتٍ، وهو دجلةَ وبلا ماءٍ، وهو الفراتُ يابسًا، والنخيلُ ساجيًا وباكيًا، وبخلافِ الصخبِ هو الهدوءُ الأخيرُ مستتبًّا، وتصيرُ المدنُ والأريافُ والمقابرُ والمهودُ في المهبِّ في الإعصارِ، وأنهارَ عسلٍ ولبنٍ وعلقمٍ تصيرُ، وتصيرُ الوحلَ، والتيهَ، والشرودَ، والمتاهةَ، والعبثَ المدمّى، والمقامةَ، ومسيحَكَ والجلجلةَ والمنَّ والسلوى ومرًّا وحنظلًا ونزفَ دماءٍ ووليمةَ جنونٍ وأرواحًا تهيمُ وأجسامًا وأطيافًا وأشباحَ حياةٍ بائدةٍ وبائدةٍ، وعلى الديمومةِ كلِّها، ولا تلينُ، ولا تستطيبُ هدنةً، ولا تبتغي استراحةَ محاربٍ كليلٍ وفائقِ الهلاك، وها يشهدُ حمورابي شاهدًا، وها مسلّتُهُ، والكفنُ هو الأكفانُ، والقاماتُ هامدةٌ في التربةِ الوئيدةِ، والبطءُ هو الكمالُ مكتملًا عن آخرِهِ، وليس من خاتمٍ إلّا الخاتمةُ، وحلكةٌ بعد حلكةٍ بعد حلكةٍ، كحالِ الأرضِ وهي قفرٌ، وهي طوفانٌ، والغمرُ صحراءُ وحصىً وترابٌ وطحينٌ فاسدٌ، ورملٌ هو الرملُ، والبيتُ مُتداعٍ برمّته، وإنّما ضياءٌ وأنتَ الآيةُ، وها هو الرسمُ جليًا، وما يلي البصرَ والبصيرةَ منحوتَين ومحفورَين على طينٍ وألواحٍ وأقمشةٍ وسطورٍ فحسب، وإنّما الآيةُ المرئيّةُ هي الموتُ عميمًا، وإنّما الأرضُ هباءٌ، وسديمٌ موحلٌ وكامدٌ هو الأديمُ، وهو الفراغُ، وهو الملءُ، وقد صار أثرًا بعد عينٍ.

وأنتَ، كموطنكَ، كبلادكَ، كبغداد، كالموصل، كالبصرة، كالرافدين، كالعراق، كحلب، كغزّة، وكمثل لبنان، ولستَ بشاهدٍ زورٍ، وإنّما شغلُكَ طينٌ ولونٌ، وفائقُ خلقٍ وفنٍّ، وجمالُ موتٍ وحرّيّة، وآيتُكَ الآية، وهي المسلّةُ ودمُ القماشةِ والملحمة والقيامة.

اخترنا لك