من #الحرب على #الإرهاب إلى شرعنة #العنف : كيف تحوّل القرن الجديد إلى سوق للجريمة؟

بقلم خلود وتار قاسم
@kholoudwk

الحرب على «الإرهاب» بعد أيلول 2001 لم تكن نهاية الخطر، بل بداية تحوّل مظلم.
ل
م ننهِ العنف، بل صنعنا له أدواتٍ جديدة واسماءً براقة.

الاتجار بالمخدرات تحوّل إلى اقتصاد منظّم.
الاتجار بالبشر والأعضاء صار سوقًا بلا ضمير.
دول تتفاخر بقدراتها النووية وتخصيب اليورانيوم كرمز للقوة.
تبييض الأموال يُشرعن الجريمة ويغذي آلة الفساد.
التطرف والممانعة المضادة صارا صناعاتٍ سياسية وإعلامية.
وسبي النساء وبيع البشر — جرائم تُؤدلج وتُغلف لتبدو أقل وحشية من حقيقتها.

حضارياً: نُعيد كتابة التاريخ إلى الوراء. ملامح القرن الماضي تُستعاد — حدود مشدودة، خوف مجتمعي، وانغلاق متعمد.
ثقافياً: تهاوت مسافات الزمن، وكأننا نعود إلى عصورٍ تفسد فيها المعرفة بالفهم وتُستبدل القيم بالأوهام.
إنسانياً: الإنسان بات سلعةً أو رقمًا إحصائيًا؛ تُزهق الأرواح ثم يُحتفى بالقاتل كرمز.

تكنولوجياً: أعطينا العالم سرعةً خارقةً، فكان أن سُلِّمت وسائل التواصل والتقنية لمن يريد أن يمزق الإنسان عن إنسانيته. التكنولوجيا ليست عدوّاً بذاتها — لكنها أصبحت سيفًا مزدوجًا يستخدمه من لا يملك ضميرًا.

أما من استولى على المشهد فهُم ليسوا حكومات فقط؛ شركات عملاقة صنعت وعي السوق، ركّبَت أفكارًا وأيديولوجياتٍ تُولِّد الأرباح على حساب حرية الإنسان وكرامته. الهدف صار وحيدًا: الربح. لا أكثر، لا أقل.

وأسوأ الجرائم: الحروب التي تُشَرَّع باسم الدين.

أيادٍ تلبس قناع الإيمان لتشرعن القتل والتهجير والتشريد. الضحايا؟ الأبرياء — نساء وأطفال ومسنّون — يخونهم من جعل الدين أداة سلطة. هذا ليس دفاعًا عن معتقد؛ هذا اختطاف للمقدسات واغتصاب للضمير.

أنتَ مسؤول. وأنتِ مسؤولة. وأنا مسؤولة.

المسؤولية ليست بطاقة تُعلق على الحائط أو عبارة تُقرأ في مؤتمر. إنها فعل يومي، قرار أخلاقي نختاره في كل لحظة: بكلمة، بقرار انتخابي، بتضامن، بفضح، بعدم التساهل مع مَن يبرّر الجريمة.

الوعي للمصلحة العامة — ليس رفاهية، بل ضرورة باقية.

الوعي يعني:
أن لا نصمت أمام تجارة البشر والأسلحة والمال القذر.
أن نطلب مساءلة واضحة ومحاكمات حقيقية لمن يموّل ويخطط ويغطي.
أن نحبس التكنولوجيا داخل ضوابط إنسانية تمنع استخدامها لتمزيق المجتمعات.
أن نفصل الدين عن سياسة القتل، ونستعيد له مهمته الحقيقية: رحمة، كرامة، إنسانية.

دعونا نرفع صوت الحق أعلى من صيحات التخوين والتبرير.
دعونا لا نكون متفرجين أمام آلةٍ تصنع من الألم سلعة.
دعونا نحوّل شعورنا بالغضب إلى قرارٍ واضح: حماية الكرامة، مساءلة الفاسدين، ورفض كل شكل من أشكال العنف المُقدّس.

لا تبرير للوحشية. لا غطاء لمن اختار المال أو السلطة على حساب حياة إنسان.
إعادة الحضارة تبدأ حين نعيد للإنسان مكانه: أولاً أمام القانون، أمام الضمير، وأمام التاريخ.

اخترنا لك