ندوة مشتركة لغريب وطه حول اليسار وتحديات بناء الدولة
دعوة لحوار مفتوح يهدف إلى كبح استباحة أميركا و"اسرائيل"
رصد بوابة بيروت
أقامت منظمة العمل اليساري الديمقراطي العلماني ندوة حوارية بمناسبة الذكرى ال43 لانطلاقة جبهة المقازمة الوطنية اللبنانيية، وذلك مساء الخميس في 18 ايلول 2025، في مقرها الكائن في منطقة وطى المصيطبة تحدث فيها أمين عام الحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب ورئيس المكتب التنفيذي للمنظمة زكي طه بعنوان “دور اليسار أمام تحديات بناء الدولة ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي”، وتولى إدارتها الإعلامي الدكتور إبراهيم حيدر، وحضرها حشد من الشخصيات الاجتماعية والثقافية والإعلامية والحزبية والثقافية والصحية والنقابية منهم: محمود ابراهيم عن حزب الطليعة، كريم صفي الدين من الاندية العلمانية، د. عبد الله رزق، د. محمد علي مقلد، د. إبراهيم فرج، د. وهيب سلامه، د. قاسم علوش، د. سمر أدهم، أمين سر اطار الحوار التعددي جمال حلواني، وسام غندور، المحامي نصير عامر؛ المهندسان راشد صبري حمادة وجو هوا، النقابي ركان فقيه، الاعلامي باسم سعد والمخرج غسان حلواني وممثلين عن قوى المجتمع المدني.
استهل الندوة د. حيدر بالتوقف عند مصادفة انعقادها في مقر منظمة العمل اليساري مع ذكرى انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية التي نجح مناضلوها في دحر الاحتلال عن أجزاء واسعة من الأراضي اللبنانية المحتلة في العاصمة أولا وباقي المناطق ثانيا. وتوقف عند نص بيان اعلان الجبهة من جانب القائدين جورج حاوي ومحسن ابراهيم، وما حمله من تأكيد على مثلث التحرير والتوحيد والديمقراطية، لكن لاحقا تباينت قراءتيهما ومقاربتيهما للواقع اللبناني بعد التغيرات العميقة التي تعرض لها. وشدد على ضرورة العمل على إعادة احياء اليسار، وإنما على أسس جديدة تتلاءم مع المرحلة التي نشهدها في لبنان والمنطقة العربية، وبالأخص في قطاع غزة والضفة الغربية في فلسطين المقاتلة. وتوقف عند العوامل التي قادت إلى مصادرة دور مقاومة اليسار اللبناني، الذي دعاه إلى ابتكار أساليب نضال جديدة للخروج من الممارسات التي تأسره ، والمساهمة في إعادة بناء دور الدول والمجتمعات العربية التي أصيبت بأعطاب فادحة، نتيجة تفكك داخلي وحرب إسرائيلية عدوانية متواصلة. وختم بالدعوة إلى الخروج من عباءة الماضي، مؤكدا أن إعادة البناء لا يمكن أن تتم من دون نقد التجربة السابقة، خصوصا في ظل استشراس الطوائف واندفاعها للمغامرة بالبلد مجددا.
غريب
بداية حيا غريب المنظمة على هذ الندوة، ثم حيا لمناسبة الذكرى الـ 43 لانطلاقة جبهة المقاومة اللبنانية الرفيقين الشهيد جورج حاوي والقائد محسن إبراهيم اللذين أطلقا النداء والبيان الأول بالدعوة إلى مقاومة الغزو الصهيوني لبيروت ولبنان. كما حيا أرواح شهداء جمول وكل الشهداء المقاومين من مختلف القوى السياسية اللبنانية والعربية. وقال: لا بد من الانطلاق من ضرورة تعريف اليسار، وعلى أي أساس نحدد هذا يساري وذاك غير يساري. وقال: أي مقاييس يمكن اعتمادها لتعريف اليسار في الفكر والسياسة والممارسة، في ظروف لبنان التاريخية الراهنة والمنطقة عموما؟ ورأى أولا ضرورة أن يحمل اليسار مشروعا للتحرر الوطني والاجتماعي، اذ لا يمكن قيام ونجاح مشروع وطني دون تحرر اجتماعي، وثانيا أن يكون له هويته ومبادئه وقيمه الواضحة القائمة على التصدي للإمبريالية والصهيونية خصوصا في منطقتنا التي تتعرض لأقسى هجمة امبريالية في تاريخها. وثالثا أن يكون وفيا للمباديء الديموقراطية ولقيام دولة علمانية ديمقراطية مقاومة، لا دولة طائفية قائمة على أساس ديني وطائفي ومذهبي تبرّر للكيان الصهيوني قيام “دولته” العنصرية على أساس ديني. ورابعا أن يتصدر هذا اليسار كممثل للقوى الحية طليعة النضال ضد منوعات الاستغلال الطبقي والافقار والبطالة والتهجير. وخامسا أن يثبت للجماهير التي يناضل معها أن مقاومته ضد العدو تتجاوز تحرير الأرض من الاحتلال إلى تحرير الإنسان من الاستغلال والقهر والإفقار والقمع الطبقي والاجتماعي.
واستعرض غريب تجربة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، وما تتميز به عن غيرها من المقاومات التي مارست نشاطها طوال عقود من الصراع مع الكيان الصهيوني، واعتمدت فصلا مصطنعا بين التحرر القومي والتحرير الاجتماعي، وكان آخرها القوى الممانعة، التي في ممارستها، وما نشر من وثائقها لم تطرح بديلا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا متميزا للأنظمة الرأسمالية المفروضة على شعوبنا، فوصلنا الى ما وصلنا اليه من احتلال ومن عدوان مستمر على لبنان والمنطقة ومحاولة تصفية القضية الفلسطينية وقيام إسرائيل الكبرى. وأكد ان المشروع الامبريالي الصهيوني يتقدم في المنطقة، ولا يجوز مواجهته بتكرار التجارب السابقة. ينبغي اجراء تقييم علمي موضوعي لأخذ الدروس والعبر وهو ما لم يحصل إلى الآن.
وتطرق إلى إقرار الحكومة حصرية السلاح بيد أن القرار جاء انتقائيا تحت ضغط أميركي وخارج أي خطة لوقف العدوان المستمر على لبنان، وخارج أي خطة لتسليح الجيش اللبناني، وخارج أي تفاهمات لبنانية لبنانية تشمل ملفات الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، لذلك، فان قرار حصرية السلاح بيد الدولة يجب ان يتلازم بالضرورة مع مقاومة هذه الدولة للاحتلال.
ودعا كل القوى الوطنية واليسارية والتقدمية والعلمانية الى العمل معا من اجل تصويب البوصلة بالاتجاه الصحيح، عبر التأكيد على هوية ومفهوم المقاومة وعلى دورها في التحرير والتغيير، تعويضا عما أصاب لبنان وشعبه ومقاومته من خسائر وتضحيات، فالمقاومة فعل تحرر وطني واجتماعي تهدف إلى تحرير الأرض من الاحتلال وتحرير الانسان من الاستغلال، مقاومة ضد الصهيونية من الخارج، والطائفية من الداخل.
ووصف السلطة بأنها سلطة فاسدة مستمرة في ظلمها واستبدادها، باقية على تحالفاتها واصطفافاتها وتمسكها بإجراء الانتخابات النيابية على أساس القيد الطائفي، والدوائر المرسومة لإعادة انتاج مجلسها النيابي خلافا للدستور، وخلاف ما وعدوا به في البيان الوزاري بتطبيق ما لم يطبق في اتفاق الطائف. وتحت هذه القوانين يجري تشريع تزوير الانتخابات وضرب صحة التمثيل. وهكذا نهبوا أموال اللبنانيين قبل ان يسطوا على أصواتهم عبر قوانينهم الانتخابية اللادستورية.
طه
انطلق طه من طرح العديد من الأسئلة حول الموقع والدور الذي يمكن أن يلعبه اليسار في هذه المحطة التاريخية الحاشدة بالتحديات الكبرى. وتساءل عن أي يسار نقصد؟ هل هو اليسار الذي كانت له صفحات مجيدة في تاريخ البلد. أو اليسار المقيم راهناً في الهامش ويواكب التحديات الكبرى التي لا يستطيع جبهها. أم نقارب تلك التحديات من بوابات البلد المشرعة على كم هائل من القضايا والأزمات والاسئلة الوجودية، التي تبدأ بالدولة التي نبحث عنها فلا نجدها.
وفي السياق يتجدد السؤال حول معضلة السلاح المعُطِّل والعاجز عن رد العدوان أو مواجهة إسرائيل، والذي لا يصلح لتجديد مقاومة ضد الاحتلال، نظراً لطبيعة دوره ووظيفته التي تبدلت حين تحوّل من سلاح مقاومة أنجزت التحرير عام 2000 دون قيد أو شرط، إلى أداة هيمنة في الداخل وقوة تدخل في الخارج. وهنا تكمن خطورة المطالبة بنزع السلاح بالقوة، كما رفض تسليمه طوعاً والذي تستغله اسرائيل للتغطية على احتلالها وعدوانها، وتصعيد شروط انسحابها بذريعة عدم تسليم السلاح، فيما لبنان عاجز عن بلورة خيار وطني جامع في مواجهة الاحتلال.
ورأى طه أن الخطوة الأولى في مسيرة البحث عن دور اليسار تتمثل في إعادة قراءة الواقع اللبناني بتعقيداته، فيما الخطوة الثانية تتطلب ترصيد حسابات اليسار لتبيان ما لديه من مواقع ونقاط ارتكاز مجتمعية يمكن البناء عليها. والثالثة تقع في مشروعية السؤال لليساريين اللبنانيين ماذا أنتم فاعلون في ميادين الحياة السياسية الوطنية حيال قضايا التغيير والحريات وفي مواجهة سلطة الأحزاب الطائفية. أما الخطوة الرابعة فتتطلب استعادة الموقع الاجتماعي لليسار. والامر لا يتحقق غلا من خلال قوى اليسار قضايا الفئات والطبقات الاجتماعية وحقوقها ومطالبها المناطقية والمهنية، باعتبارها أدوات عمل ومبررات وجوده.
وقال: إننا نبحث عن دور اليسار، والمنطقة تعصف بها كيانات ومجتمعات ومصائر، رياح السيطرة الاميركية والحرب الاسرائيلية، وقد ارتدت بلدانها وكياناتها إلى ما قبل التأسيس ومنها لبنان. وهو ما يعزز المخاطر الزاحفة. واعتبر أن الأهمية التاريخية لدور اليسار تكمن في تحديات بناء الدولة، ضمن مسار طويل ومعقد، يعطي للدولة والسيادة بُعدها الوطني الجامع، الذي يتعامل مع الهواجس المشروعة لمكونات البلد ولتبديد ما يلازمخا من خوف وانكار وتخوين.
والوجه الآخر لأهمية البحث ما علمتنا اياه التجارب خارج اطار الدولة. بدءً من تجربة التغيير من مواقع الانقسام الأهلي، التي لم تنه هيمنة طائفية، بقدر ما سهلت ولادة مشاريع رديفة لها، ساهمت في تعطيل وتفكيك ومنع عودة الدولة. وتجربة المقاومة الوطنية من المواقع عينها، لأنها ورغم بطولاتها وانجازاتها الكبرى في ميدان التحرير فشلت في توحيد البلد ضد الاحتلال. ولم تختلف الأمور بالنسبة للمقاومة الاسلامية التي انجزت التحرير المجيد، لكنها رهنته ووظفته في الصراع على السلطة والنفوذ، ولصالح المدار الإقليمي الذي تدور في فلكه.
وجزم أن الاقرار بالهزيمة وبواقع الاحتلال القائم لا يعني القبول بهما وبما يترتب عنهما، بقدر ما يعني اطلاق البحث لاستعادة القضية الوطنية، ومقومات السيادة على نحو تراكمي ومتدرج بالتوازي مع مسيرة بناء الدولة. وانطلق من ذلك للدعوة إلى فتح ورش النقاش حول قضايا البلد والسعي لاعادة الاعتبار لحركة المعارضة الديمقراطية المستقلة والحركة النقابية وإعادة بناء موقع الاجتماعي مدخلاً لتجديد دوره وبنيته. واشراك اللبنانيين جميعا في هذا الحوار الديمقراطي التاريخي بعيداً عن الترسيمات المعلبة والشعارات المبدئية، أخذاً بنظر الاعتبار أن القضايا كانت وستبقى مفتوحة، وليس باستطاعة أحد منع البحث فيها.
بعد مداخلتي غريب وطه فتح حيدر باب النقاش فشارك العديد من الحضور عبر مداخلات تناولت الانهيار العام الذي يجتازه الوطن والمنطقة والكيانات العربية والخاص الذي يعانيه اليسار وعلى مختلف المستويات. ورد المتحدثان على العديد من الأسئلة المطروحة.