“#حزب_الله” بلا ظهر استراتيجي
لبنان، البلد الذي يشكل الخاصرة الأكثر هشاشة في المعادلة الإقليمية، يقف اليوم أمام مرحلة فارقة مع اقتراب سقوط نظام بشار الأسد في سوريا. فمنذ عقود، اعتمد حزب الله على سوريا كعمق استراتيجي وداعم رئيسي في كل ما يتعلق بالتموين والتسليح والتغطية السياسية. واليوم، مع انهيار هذا الركن، يصبح الحزب ومعه النظام الإيراني في موقف دفاعي غير مسبوق.
منذ بداية الثورة السورية، لعب حزب الله دور رأس الحربة في الدفاع عن نظام الأسد. آلاف المقاتلين زُجّ بهم في معارك داخل الأراضي السورية، وسقط المئات منهم، كل ذلك بأوامر مباشرة من طهران. هذا التدخل كلّف الحزب خسائر بشرية ومالية فادحة، وأدى إلى تراجع صورته في الشارع العربي الذي كان يعتبره يومًا رمزًا للمقاومة. ومع ذلك، فإنّ الحزب تمسّك بخيار الدفاع عن دمشق، مدركًا أنّ سقوطها يعني بداية العد التنازلي لدوره الإقليمي.
اليوم، تتحدث تقارير غربية عن أنّ حزب الله سيواجه عزلة غير مسبوقة في حال سقوط الأسد. فخطوط الإمداد البرية عبر سوريا ستُقطع، ما سيجعل اعتماده على طرق بحرية أو جوية أكثر عرضة للرقابة والعقوبات. كما أنّ خسارة دمشق ستفقده قاعدة استراتيجية استخدمها طوال سنوات لإدارة عملياته الإقليمية. والأهم أنّ حاضنته الشعبية في لبنان، التي تعاني أصلًا من أزمة اقتصادية خانقة، ستزداد سخطًا عليه بسبب استمراره في المغامرات الخارجية على حساب معيشة المواطنين.
من جانب آخر، سيتعزز الموقف الدولي المطالب بتقييد نفوذ حزب الله، خاصة أنّ سقوط الأسد سيُقرأ كدليل على تراجع المحور الإيراني برمّته. وستكون هناك فرصة أكبر للضغط على الحكومة اللبنانية لعدم الرضوخ لهيمنة الحزب، ولفتح الباب أمام إصلاحات سياسية واقتصادية طال انتظارها.
أما النظام الإيراني، فإنه يدرك أنّ خسارة الورقة اللبنانية تعني ضياع أحد أهم أوراقه التفاوضية مع الغرب. فعلى مدى سنوات، كان يمسك بلبنان عبر حزب الله كورقة ضغط إقليمية. ومع تراجع هذه الورقة، سيضعف موقفه في أي مفاوضات قادمة بشأن برنامجه النووي أو نفوذه الإقليمي.
في الداخل الإيراني، ستنعكس هذه التطورات مزيدًا من الإحباط الشعبي. فالإيرانيون الذين يرون أموالهم تذهب إلى حزب الله بينما يعانون من البطالة والفقر، سيجدون في سقوط الأسد وإضعاف الحزب دليلًا على عبثية سياسات النظام الخارجية. هذا الوعي المتزايد يغذي بدوره حالة الغليان الاجتماعي التي قد تنفجر في أي لحظة.
البديل أمام لبنان، كما أمام إيران، هو التغيير الجذري الذي يقطع مع الاستبداد والارتهان للخارج. وهذا ما عبّرت عنه شخصيات دولية عدة في مؤتمرات أوروبية وأمريكية، حيث أكدت أنّ الحل ليس في إبقاء لبنان رهينة لمشاريع طهران، بل في دعم إرادة الشعب الإيراني في إسقاط النظام من جذوره.
وفي هذا الإطار، تأتي أهمية التظاهرات الكبرى التي ستشهدها نيويورك في ٢٣ و٢٤ سبتمبر، بمشاركة آلاف الإيرانيين وأصوات سياسية أمريكية بارزة. هذه التظاهرات لا تقتصر على رفض وجود رئيس النظام في الأمم المتحدة، بل تحمل أيضًا رسالة واضحة إلى العالم: إنّ زمن المساومات مع نظام الملالي قد انتهى، وحان وقت التغيير الشامل الذي يفتح الطريق أمام استقرار لبنان والمنطقة.