بقلم ميراز الجندي – كاتب ومحلل سياسي
@MirazJundi
في واحدة من أكثر المشاهد التربوية خطورة وإثارة للقلق، وجّهت معلمة في إحدى قرى عكار سؤالًا بسيطًا لأحد تلاميذ الصفوف الأساسية:
“ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر؟”
جاء الجواب صادمًا: “بدي روح على الحزب، ما بدي اتعلّم.”
بيئة مشوّهة تُغرس في عقول الأطفال
لم يكن هذا الطفل واعيًا تمامًا لما يقول، لكنه – للأسف – عبّر بصدق عن البيئة التي ينشأ فيها، حيث تُقدَّم البندقية على القلم، والانتماء إلى الميليشيا على حساب الانخراط في الدولة.
عندما حاولت المعلمة أن تستدرك، وقالت له:
“ما بدك تتعلم تكتب اسمك؟ بالحزب شو بدك تعمل؟”
ردّ بثقة: “بيكون معي بارودة، وبعمل اللي بدي ياه.”
وحين سألته إن كان لا يريد أن يصبح طبيبًا، أجاب:
“الحزب ما بيحتاج دكاترة….”
هذه ليست حادثة فردية
هذه القصة لم تقع في الجنوب أو الضاحية، بل في منطقة مهملة من الشمال اللبناني، وتحديدًا في عكار. وهي ليست مجرّد حادثة طارئة، بل مؤشر خطير على تآكل قيم الدولة وتفشي ثقافة السلاح كوسيلة للسلطة والهيبة.
مسؤولية من؟؟؟
أولًا: الأسرة
عندما يُربّى الطفل في بيئة تمجّد السلاح وتتحدث بإعجاب عن “الزعيم” و”البارودة”، فلا يُستغرب أن يكون هذا طموحه الأول.
ثانيًا: غياب الدولة
الدولة اللبنانية غائبة عن عكار ومناطق كثيرة، ونتيجة هذا الفراغ تدخل جهات غير شرعية لملئه، عبر خدمات أو شعارات، فتُصبح أقوى من المدرسة ومن القانون.
ثالثًا: المدرسة والنظام التربوي
لا يكفي أن نُلقي اللوم على الأسرة فقط، فالمناهج التربوية الباهتة، والأنشطة شبه المعدومة، والظروف القاسية للمعلمين، تجعل المدرسة بيئة طاردة لا جاذبة.
ماذا نفعل؟
إطلاق برامج تنشئة وطنية فعلية في المدارس والمجتمع، تُعيد الاعتبار للهوية الوطنية.
ربط الأطفال بالدولة ومؤسساتها لا بالجماعات والسلاح.
محاسبة أي جهة تُروّج لفكر العنف أو تقديس السلاح داخل المجتمع التربوي.
إطلاق حملات توعية للأهل بخطورة غسل أدمغة الأطفال، ولو من دون قصد.
هذه الحادثة ليست مجرد “نكتة سوداء” أو “زلة لسان”، بل جرس إنذار يقرع بقوة.
إذا لم نُدرك خطورة ما يُزرع في عقول الأطفال، فسنحصد أجيالًا تحترف العنف، وتُهمل العلم، وتستبدل المواطنة بالولاء للميليشيا.
الرهان اليوم ليس فقط على بناء مدرسة أو تعبيد طريق، بل على بناء الإنسان من جديد.