بقلم صبحي منذر ياغي
@sobhiyaghi
لم تكن مواقف الشيخ نعيم قاسم التي أطلقها في خطابه يوم أمس مفاجئة للعديد من الاوساط السياسية المحلية والعربية، خاصة “مباردته” تجاه المملكة العربية السعودية، كون الجميع بات يملك معطيات، ومعلومات أكيدة، عما يواجه “حزب الله” من مأزق داخلي (مالي وتنظيمي وسياسي)، لذا فإن المطلوب من الحزب -ولو متأخرًا- اعتماد السياسة الواقعية البراغماتية، فقد ولّى زمن المواقف التصعيدية التي لم تثمر إلا الخيبات.
وترى الأوساط، أن “المبادرة” ما هي إلا محاولة لخفض مستوى التوتر مع السعودية التي تمثل بوابة أساسية للشرعية العربية.
فـ “حزب الله” يدرك مدى تأثير السياسة السعودية على الساحة اللبنانية، وهذا التأثير لا يطال الطائفة السنية فقط، بل يمتد نحو الدروز، وبعض المسيحيين وحتى شريحة من الشيعة. لذا فإن الحزب في موقفه هذا الذي عبّر عنه الشيخ نعيم قاسم، يهدف لتجنّب توحيد الخصوم ضدّه في الداخل اللبناني، خاصة خلال الاستحقاق النيابي المقبل، وتحصين موقعه لبنانيًا.
فالجناح السياسي بقيادة الشيخ نعيم قاسم، يطرح خطاب “انفتاح مدروس” بدون أي تنازل جوهري عن بعض الثوابت خاصة (سلاح الحزب أو دوره الإقليمي).
وتشير أوساط قريبة من أجواء الحزب أن لا اعتراض علني داخل قاعدة “حزب الله” على ما طرحه قاسم، بل هناك تحفظات من قيادات أمنية وعسكرية داخل الحزب تعتبر أن أي انفتاح على السعودية قد يُقرأ كضعف ويُستثمر من الخصوم.
وسجلت الأوساط حالة من التململ الذي ظهر داخل الكوادر الشبابية الحزبية التي تعتبر السعودية خصمًا استراتيجيًا في اليمن وسوريا، وهناك خشية من أن يُفهم التوجه كتنازل معتبرة أن أي خطاب (ليّن) تجاه السعودية قد يُفهم عند جزء من القاعدة، أنه يتعارض مع خطاب “المواجهة المستمرة” الذي نشأوا عليه، وأن الرياض قد تستخدم المبادرة لكسب نقاط سياسية وإظهار الحزب كطرف ضعيف يسعى للتقارب.
وتخشى أوساط في الحزب، أن تتحول هذه المبادرة لمسار تفاوضي فعلي، قد تؤدي الى انقسامات بين (جناح سياسي) يريد التسويات و(جناح عسكري راديكالي) يمعن في الذهاب الى التشدد في مواقفه.
لذا ، فإن مبادرة نعيم قاسم ليست تحولاً استراتيجياً في خطاب الحزب، بل مناورة سياسية محسوبة ومنسقة بالطبع مع ايران، وتهدف إلى:
1- تخفيف الضغط على الحزب داخليًا.
2- إرسال إشارات إيجابية للخارج دون التزام جوهري.
3- حماية إيران من فتح جبهة توتر إضافية مع السعودية.
حتى الآن لا موقف سعودي رسمي على هذه المبادرة، سوى ما ورد في الاعلام السعودي “بأن المملكه تتعامل مع جميع الافرقاء اللبنانيين من خلال الدولة اللبنانية فقط”. وحتى صدور موقف رسمي سعودي، تظل دعوة الشيخ نعيم قاسم مجرد (انعطافة وسط الطريق) تنتظر من يلاقيها على المقلب الآخر.