«بناء الحركة الشعبية في موازاة استعادة دور الدولة»
بمناسبة الذكرى 43 لانطلاقة المقاومة الوطنية اللبنانية، نظّم فرع بعلبك الهرمل في منظمة العمل اليساري الديمقراطي العلماني ندوة سياسية تحت عنوان: «بناء الحركة الشعبية في موازاة استعادة دور الدولة»، وذلك مساء الجمعة 18 ايلول 2025 في مدينة بعلبك، في منزل الاستاذ حسين صلح “ابو نضال”. حاضر فيها رئيس المكتب التنفيذي للمنظمة زكي طه، وبحضور ممثلين عن أحزاب يسارية، وقيادة فرع المنظمة في المنطقة ومسؤولها عضو المكتب التنفيذي علي مطر، ونائب رئيس المكتب التنفيذي مسؤول فرع البقاعين الاوسط والغربي الاستاذ حاتم الخشن، وفعاليات سياسية وحزبيةومدنية، وتجمّع أبناء بعلبك وحشد واسع من الناشطين الديمقراطيين والمهتمين بالشأن العام.
بعد الترحيب بالحضور من قبل الرفيقة ليلى مروة ، قدم للندوة عضو قيادة الفرع الاستاذ علي علو حيث وجه التحية للقائدين الشهيد جورج حاوي والمناضل الراحل محسن ابراهين الذين اطلقا نداء المقاومة الوطنية اللبنانيية ضد الاحتلال الاسرائيلي منتصف ايلول عام 1982، وذكر بنضالات الجبهة ودورها البطولي وبتضحيات مقاتليها ضد العدو، واجباره على الانكفاء الى الشريط الحدودي، والى دور المقاومة الاسلامية في انجاز التحرير. واشار ايضا إلى المراجعة النقدية التي قامت بها المنظمة في سبيل تجديد دور اليسار على النحو الذي يستجيب لطموحات اللبنانيين في انقاذ بلدهم واقامة دولة العدالة الاجتماعية وضمان السيادة الوطنية.
افتتح زكي طه كلمته بالتأكيد على أن قضيتي بناء الحركة الشعبية وبناء الدولة ليستا قضية يومية عادية أو مسألة للتأمل أو البحث الفكري، بل هما قضيتان وطنيتان بامتياز، تقعان في صميم الأزمة اللبنانية المستمرة منذ نشوء الكيان الذي كان يُفترض أن يجسد سيادة الدولة ويصون مصالح وحقوق المواطنين. إنهما قضيتان تقرران مصير البلد، وترتبطان بتقدّم المجتمع وتطوره وبمستقبل لبنان في آن واحد.
واستعرض طه المسار التاريخي للبنان الحاشد ابلرهانات الخاطئة والانكسارات والتدخلات الخارجية والاعتداءات الإسرائيلية والاحتلالات . التي رافقت هذا الكيان منذ نشأته، وحرمت اللبنانيين من دولة فعلية ترعى مصالحهم وتحفظ حقوقهم. وأن لبنان عاش مسلسلًا لا ينتهي من التجارب والصراعات والنزاعات، نتج عنها حتى اليوم مسلسل طويل من الخسائر والدمار والتهجير، يقابله سيل من التضحيات وبطولات المناضلين والمعتقلين والمفقودين والأسرى والشهداء وعائلاتهم.
وأضاف: إن هذا المسار أفضى إلى تحديات تاريخية غير مسبوقة تضع اللبنانيين جميعًا أمام الأسئلة المصيرية الصعبة، في ظل غياب أجوبة سياسية موحدة ووطنية.
ووصف الدولة اللبنانية بالمفقودة ونحن نطالب باعادة بنائها بعتبارها حاجة وطنية ووجودية.وقال: إن أحزاب الطوائف لا مصلحة لها بعودتها، لأنها غيابها يبرر وجودها ودورها، ومنه تستمد سلطتها عبر نظام المحاصصة والنهب وتقاسم المؤسسات. وكذلك الخارج الذي لا يمكن أن يكون بديلاً عن اللبنانيين في بناء دولتهم، بل إن مصالحه تكمن في إبقاء لبنان رهينة التفكك والتبعية كي يتحكم به وبمصيره، خلافالما يعتقده البعض .
وأشار طه الى قضية السلاح الذي يوهمنا الخارج وبعض احزاب السلطة بانه يختزل مشكلات البلد ، وان تسليمه يضمن النهوض الاقتصادي والازدهار والامن والامان، والهدف دفع اللبنانيين لتجاهل ما هم فيه من أزمات.
و أوضح طه أن هذه المسألة تم تطييفها وتسييسها من قِبل الأطراف الداخلية والخارجية، مشيرًا إلى أن السلاح الذي كان أداة للتحرير تحول إلى عبء مزدوج: على حامليه وعلى الوطن. ولذلك أصبحنا نعيش جدلًا عقيمًا حول مصير السلاح، وكأن نزعه ينقذ البلد، أو الإبقاء عليه يحميه. والحقيقة أن لا أحد يملك اليوم خطة وطنية جدّية في التعامل مع هذا الملف الحساس. ولبنان الرسمي عاجز عن بلورة رؤية جامعة لمواجهة الاحتلال. وعليه فإن خطورة المطالبة بنزع السلاح بالقوة توازي خطورة رفض تسليمه طوعًا، لأن كليهما يخدم إسرائيل.
وأكد طه أن المقاومة الحقيقية لم تعد قائمة منذ سنوات، بعدما تبدلت وظيفة السلاح من تحرير الأرض إلى الهيمنة السياسية والتدخل الإقليمي، مشيرًا إلى أن مشكلة لبنان الكبرى تكمن في النظام الطائفي الذي يعيد إنتاج أزماته، بما فيها السلاح الاهلي.
شدد طه على أن الحل لا يكمن في إنتظار احزاب الطوائف، بل في إعادة إنتاج حركة شعبية حقيقية تعبّر عن مصالح الناس. وقال:الحركة الشعبية هي تحشد أوسع فئات المجتمع اللبناني المتضررة من منظومة الطوائف. وهؤلاء هم أصحاب الحق في التعليم، والصحة، والعمل، والسكن، وضمان الشيخوخة، والبيئة، والكهرباء، والدواء، والخدمات، وأموالهم المنهوبة والمتضررين من العدون والناحين والمهجرين من قراهم وبلداتهم.
وأضاف: الحقوق تُنتزع ولا تُمنح. والدولة هي المرجعية الوحيدة التي يجب أن نتوجه لها لمطالبتها بحقوقنا. واستمرار تسلط الطوائف سببه غياب أصحاب الحقوق عن ساحات النضال دفاعاً عن حقوقهم وتسليمهم بالأمر الواقع.
وتطرق طه إلى غياب النقابات واليسار والمعارضة: أين هي النقابات التي تدافع عن مصالح وحقوق الناس؟ لماذا تحولت إلى أدوات في يد أحزاب الطوائف؟ ولماذا قوى المعارضة الديمقراطية في حالة تشرذم.
وطرح سؤالًا وجوديًا عن اليسار: أين هو اليسار الآن، وعن أي يسار نتحدث؟ عن يسار الشوارع التي كانت تضج بالحشود؟ أم يسار العجز والانكفاء؟ اليسار الآن يواكب الأحداث من الهامش، يرفع شعارات لا تجد من يترجمها إلى فعل سياسي أو تحرك شعبي. وغياب اليسار والمعارضة الديمقراطية المستقلة عن قوى السلطة، سمح لاحزاب الطوائف بإعاقة وعرقلة مشروع بناء الدولة، وأدى إلى حصر دور اليسار في المناسبات والشعارات والذكريات فقط.
وأوضح طه في مداخلته أن استعادة السيادة الوطنية لا يمكن أن تتم من دون دولة قوية. فلا سيادة بلا دولة. ولا دولة في ظل هيمنة الطوائف. لقد علمتنا التجارب أن الانقسام الأهلي والاستقواء بالخارج لم يصنعا دولة في الماضي، بل عززا الانقسام والانهيار. وأن تجارب اليسار للتغيير من مواقع الانقسام الاهلي لم تنه الهيمنة الطائفية بل ولدت مشاريع رديفة، وان المقومة الوكنية من موقع الانقسام ورفم تضحياتها وانجازاتها الا انها فشلت في توحيد البلد وابتلعها حراك الطوائف وهمشها. كذلك المقاومة الإسلامية، انجزت التحرير، لكنها رهنته لمصالحها الفئوية ومرجعيتها الإقليمية، ففقدت بعدها الوطني الشامل. فطار التحرير وعاد الاحتلال مدججاً بشروط الاستسلام له.
واعتبر أن لبنان اليوم تحت احتلال إسرائيلي، وضعوط خارجية وانقسام داخلي في ظل سلطة محاصصة طائفية وليس في اولوياتها بناء الدولة، واكد ايضاً أن الإقرار بالهزيمة ليس استسلامًا، بل دعوة للانطلاق من الواقع نحو التغيير واستعادة السيادة الوطنية من موقع الوحدة الوطنية.
وختم قائلًا: إن التحدي التاريخي الذي يواجه أكثرية اللبنانيين اليوم هو الجمع بين استعادة القضية الوطنية والتصدي لشروط العدو واجبار العدو على الانسحاب، وبناء دولة المواطنة والعدالة الاجتماعي والديمقراطية، وأن ما نعيشه اليوم لا يُحلّ بشعارات أو حلول سحرية. إنّه مسار طويل، معقّد، متعرّج، يتطلب وعيًا ومسؤولية تاريخية من جميع اللبنانيين، في مختلف المواقع والاتجاهات.
اعقب المداخلة حوار واسع حول مختلف القضايا وكانت مداخلات واسئلة حول مختلف القضايا شارك فيها الاستاذ حسين صلح والاستاذ حاتم الخشن والدكتور سامي الطفيلي وآخرين، وقدر الجميع على اهمية العودة للنضالات الشعبية والمطلبية.