عن #الحبّ الزمن” الذي يُعَوَّل عليه

بقلم عقل العويط

هذه المرّة، أنا هو الشخص الذي خرج على خفّته، لا هي.

قلتُ لتلك المرأة، مستعيرًا من رواية “قصر موّال” لدومينيك إدّه (منشورات “المكتبة الشرقيّة”، وكان صدر لدى “ألبان ميشال” في الفرنسية): “لديّ دومًا الانطباع بأنّ الماضي زمنٌ يجب عيشه من جديد إذا أردنا عيشه فعلًا. أجل، أجل، يجب عيشه من جديد. إنّه أشبه بكتابٍ قُرئ على عجل، وبطريقةٍ مبتسرة. المرّة الأولى لا يُعوَّل عليها حقًّا”.

قالت بذهولٍ شديد: هذا ما عشتُهُ، أنا نفسي، وبالحذافير، عندما، بعد خمسةَ عشر عامًا، التقيتُ من طريق “المصادفة الموضوعيّة”، الرجلَ الذي “تصاعقنا” (من الصعق) يومًا، وبطريقةٍ بارقة، ليس إلّا. كنتُ آنذاك في الخامسة والعشرين من عمري، وكان هو عابرًا بشَعره المسترسل، وبشِعره النزِق. دخل عليَّ، وأنا معلّمة، من شبّاك الغرفة في المدرسة الفرنسيّة، على مرأى من التلميذات المتضاحكات. وكان ما كان.

أضافت تلك المرأة: تصديقًا لكلام الراوية في كتاب دومينيك إدّه عن وجوب عيش الماضي مرّةً ثانيةً لعيشه حقًّا ومليًّا، أنّنا، في المرّة الثانية، وضعْنا، الفتى الماجن ذاك، وأنا، كتابًا مشتركًا عن الزمن الذي كأنّه، في المرّة الأولى، كان متعجّلًا ومقتَطعًا من برقٍ وغيمة.

يمكنكَ أنْ تسأله…

رأيتُني “أُسقِط” كلام الراوية في “قصر موّال” إسقاطًا شعريًّا على الحبّ الذي يحّرر شخصَين من الزمن، من العمر، من الثقل، من الشكل، ويكتشف خفّةً جديدةً في الحياة، وشكلًا جديدًا لها، فيجترح تاليًا زمنًا جديدًا، وحبًّا جديدًا.

تركتُ نفسي أقول ذلك، وقد اخترتُ أنْ أُحرّف قولَين لكونديرا، واحدًا عن الحبّ الذي إنْ لم يجرّدكَ من كلّ ثقلٍ في حياتكَ، فهو حبٌّ لا يُعوَّل عليه، وقولًا ثانيًا عن الرواية التي إذا كانت لا تكتشف شكلًا جديدًا، وزمنًا جديدًا، فلا تأتي بجديدٍ في عالم الكتابة، ولا يُعَوَّل عليها.

هل لأنّ كلّ حبٍّ جديدٍ، وآخر، لا بدّ له – لكي يكون جديدًا وآخر – أنْ يكتشف جدّته وخفّته وشكله، وأنْ يتحرّر من أعباء الذات، والواقع، ومن الأثقال والأشكال والمضامين والموروثات، و… يتحرّر من أعباء كونه حبًّا؟

هل لأنّ الزمن المقصود ليس الزمن الذي عِيشَ وكان، بل ما يمكن أنْ يُعاش ويكون؟

هل لأنّ الخفّة المقصودة في الحبّ تتجسّد في الخروج على الثقل، على النمط، على التكرار، على الكليشيه، على الماركة المسجّلة، فيكون الحبّ آنذاك، وبذلك، حبًّا جديدًا، وشكلًا جديدًا، وكينونةً جديدةً، واحتمالًا دائم الاحتمال، ودائم اللّاعبء واللّاثقل واللّازمن؟

لن أقول لستُ أدري. فربّما أنّي أدري. وهذا الاحتمال في اعتقادي، هو هذه الخفّة الجديدة غير المسبوقة، هو هذا اللّاثقل، أي الشكل الجديد غير المسبوق، لوجود شخصَين جديدَين غير مسبوقَين، قابلَين كلّ مرّةٍ لاحتمالاتٍ من الخفّة والشكل، شتّى، لا نهاية لاحتمالاتهما.

قلتُ لتلك المرأة إن بول غيراغوسيان كان يقول أمامي، بتصرّف: لا لوحة عندي تشبه أختها. وكنتُ أكتشف، والقول له، أنّي أكتشف شكلًا محتملًا جديدًا، وآخر، للوحة، غير مسبوق، كلّما ألقيتُ فرشاتي والريشة على سطح الورقة والقماشة لأرسم ما يظنّ بعضهم أنّها اللوحة نفسها، وأكتشف في الآن نفسه خفّةً جديدةً وغير مسبوقة لهذه اللوحة.

ثم قلتُ لتلك المرأة، قولًا خفيفًا وبلا ثقل: فهذا هو الحبّ الذي هو الشكل الذي لا أبا له، وهو اللّازمن، واللّاعبء، واللّاثقل، وهو الخفّة باعتبارها خفّة الكائن التي لا تُحتمَل.

وهذا ما يُعوَّل عليه.

اخترنا لك