بقلم محمد عبدالله
في خطوة أربكت الداخل اللبناني وأثارت جدلاً واسعًا، تحوّلت صخرة الروشة، أحد أبرز معالم بيروت السياحية، إلى مسرح لاستعراض سياسي وأمني نفّذه حزب الله. المناسبة وُصفت بأنها “تكريمية” لقادته الراحلين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين، اللذين اغتيلا قبل عام في عملية إسرائيلية. لكن خلف الصور واللافتات والهتافات، برزت رسائل أشد وقعًا، عكست حجم الانقسام داخل الحزب وسطوة جناح وفيق صفا على القرار.
من معلم سياحي إلى منصة تهديد
اختيار الصخرة لم يكن عابرًا. فهذا الموقع الذي ارتبط في الذاكرة اللبنانية بمآسي المنتحرين، تحوّل فجأة إلى رمز لصراع سياسي مسلّح. حزب الله خرج من مربعاته الأمنية المدمّرة جراء الحرب الأخيرة، ليختار قلب العاصمة، حيث الفنادق والملاهي والسهر، متحديًا قرار الحكومة بمنع استغلال المعالم الطبيعية لأغراض حزبية. الرسالة كانت واضحة: الحزب ما زال قادرًا على فرض مشهده في أي مكان، ولو كان رمزًا وطنيًا جامعًا.
بصمة صفا الحاضرة
أكثر ما أثار الجدل كان الحضور العلني لرئيس وحدة الارتباط والتنسيق، وفيق صفا، الذي جلس في الصفوف الأمامية، يحتسي قهوته ويدخّن سيجارته الإلكترونية، في صورة أقرب إلى استعراض نفوذ. أحد الشبان خاطب رئيس الحكومة نواف سلام قائلاً: “نواف… الحاج بقلك رح نضويها… ورح نطفيك!”.
العبارة التي مرّت كدعابة بين أنصار، انكشفت كتهديد صريح لرئيس حكومة على مرأى ومسمع صفا، من دون أي محاولة لكبح جماح الشاب أو تصحيح الموقف. وكأن الرسالة أرادت أن تقول: الكلمة الأخيرة ما زالت هنا.
رسائل بالسلاح والبحر
لم يكن الاستعراض محصورًا بالشعارات. فقد شوهد مسلّحون بين الحشود، كما شارك زورق مجهّز بمدفعية في الاحتفالية، ليؤكد أنّ جناح صفا لا يزال يمسك بخيوط القوة العسكرية. صفا بدوره شكر الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي على “تعاونهم”، في مشهد بدا وكأنه استعادة لنفوذه القديم في ملف بطاقات التسهيل وتراخيص الأسلحة، رغم كل محاولات تقييد صلاحياته في الآونة الأخيرة. وزاد على ذلك بإعلانه أنّ الرئيس نبيه بري يقف معه “قلبًا وقالبًا”، رغم أن أوساطًا قريبة من بري سرّبت انزعاجه من تجاوز التفاهمات المسبقة حول احتفالية الصخرة.
الحكومة ترفع الصوت
رئيس الحكومة نواف سلام وصف ما جرى بأنه “انقلاب على الشرعية”، وطالب بمحاكمة كل من شارك وهدّد السلم الأهلي. سلام ألغى نشاطاته الرسمية في السراي الكبير، في خطوة فسّرها مراقبون بأنها اعتكاف احتجاجي على عجز الدولة عن فرض هيبتها.
ذاكرة 7 أيار تطل من جديد
الكثيرون قرأوا في “تظاهرة الصخرة” استدعاءً لذاكرة 7 أيار 2008، حين اجتاح حزب الله شوارع بيروت. هذه المرة، وفي 25 أيلول، بدا المشهد نسخة معدّلة: الشعارات المذهبية نفسها، ولكن مع محاولة تغليفها بصور الرئيس رفيق الحريري ونجله سعد، لامتصاص الاحتقان في الشارع البيروتي. ومع ذلك، بقيت الرسالة الأساس: الجناح الأمني حاضر ومستعد لإعادة رسم المشهد بالقوة.
حزب الله بين جناحين
الاحتفالية أظهرت بوضوح عمق الانقسام داخل الحزب:
جناح يسعى إلى فتح صفحة جديدة مع السعودية والانخراط في التسويات الإقليمية.
جناح آخر بقيادة صفا، متمسّك بالهيمنة الأمنية والاستعراض العسكري وقوافل الموتسيكلات.
فيما الخطاب العلني يتأرجح بين التهديد بـ”تدمير إسرائيل” واستعراض ضوء ليزر على الصخرة يحاكي إصبع نصرالله الشهير، في صورة أقرب إلى السخرية من الشعارات القديمة عن “طريق القدس”.
الخلاصة، صخرة تكشف الانتحار السياسي
تحوّلت صخرة الروشة من رمز طبيعي وسياحي إلى مرآة لانقسام لبناني عميق. هنا تختلط هشاشة الدولة باستعراضات السلاح، وتتكشف تناقضات حزب الله بين الداخل والخارج. وفيما يبحث اللبنانيون عن استقرار مفقود، يواصل الحزب اختبار حدود الشرعية، على وقع صراع أجنحته أكثر مما هو استعراض قوة موحّدة.
ولعلّ المفارقة أن المكان الذي ارتبط بالانتحار الفردي، صار اليوم شاهدًا على انتحار سياسي جماعي يهدد ما تبقى من الدولة.