التسوية واقعة في لبنان وغزة… ولكن تسبقها أيام عصيبة!

بقلم محمد عبدالله

منذ اندلاع “حرب السابع من أكتوبر” عام 2023، والتي شنتها حركة حماس بعمليات واسعة، دخل الشرق الأوسط منعطفاً تاريخياً. الرد الإسرائيلي كان مدمراً، طال غزة أولاً ثم امتد إلى لبنان وإيران، ما خلّف عشرات آلاف الضحايا بين قتيل وجريح ونازح.

هذه الحرب أظهرت هشاشة المحور الإيراني من غزة إلى لبنان، بعدما كان يروّج له كقوة قادرة على “محو إسرائيل بكبسة زر”. غير أن الوقائع الميدانية أثبتت ضعف بنيته العسكرية وتغلغل إسرائيل في مفاصله.

خطاب الوهم… وإنكار الواقع، مستمر رغم الانهيارات الميدانية.

لم يغيّر قادة المحور من خطابهم، فحماس تصر على أن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها.

ليس بعيدا عن ذلك خطاب،مثيل له في لبنان ،و من قادة حزب الله ،ولاسيما امينه العام نعيم قاسم ،الذي يبدو انه مازال في عالم ما قبل السابع من أكتوبر .
قاسم أعلن أن الحزب تفوق على اسرائيل سياسيا وعسكريا و يعيش “زمن الانتصارات الكبرى”!.

للوهلة الاولى من خطاب قاسم تظن ان اسرائيل انسحبت الى ما بعد حدود ٦٧ ،وانها تعيش انهيارا اقتصاديا ،وان قراها ومدنها مدمرة ،وترزح تحت الركام ،وان مسيرات الحزب تتجول فوق الاراضي الفلسطينية وتمتع اسرائيل من العودة الى المنازل ،وتقصف اي موقع تريده ….!

لكن الحقيقة أن الواقع تغيّر: الحرب تُدار اليوم بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، لا بالصواريخ التقليدية. هذا “الإنكار” يعمّق مأزق الحزب وحلفائه، ويجعل لبنان عالقاً بين خطاب دعائي متكلّس وواقع دموي متحرك.

لم تعد المواجهة العسكرية جنوباً هي محور اهتمام الحزب،وهذا يتضح من كلام قاسم ان الانفاق كان على نزع السلاح جنوب الليطاني،اما شماله “فلا احد يطالبنا بشيء”.

من هنا ان نجد ان معارك الحزب في مكان اخر ، بل تحوّلت إلى معارك إعلامية ورمزية: إضاءة صخرة الروشة وتعليق صور قادته. بذلك، بات الصراع موجهاً نحو الداخل اللبناني وخصومه السياسيين، وفي لحظة يعيش فيها اللبنانيون أسوأ أزماتهم الاقتصادية والاجتماعية.

معضلة كبيرة يعيشها اللبنانبون امام حالة الانكار التي يعيشها الحزب ،ومن يدور في فلكه من محللين وخبراء وباحثين ،كلهم يعيشون في زمن ماقبل السابع من أكتوبر ،ويعتبرون ان الحزب وسلاحه مازال قوة ردع ،ولم يتأثر ،ولم ينقسم الى اجنحة،وهذه هي الطامة الكبرى ! .

اللافت أن هذه التحولات لا تخص لبنان وغزة فقط، بل ترتبط بإعادة تشكيل المشهد الإقليمي:

إيران خرجت من الحرب مُرهقة، اقتصادياً وعسكرياً، وتبحث عن مخرج يحفظ ماء الوجه.

السعودية تتقدّم في مشاريعها الإقليمية الكبرى، وتضع التسوية ،السلمية وحل الدولتين ، في صلب استراتيجيتها.

قطر تواصل لعب دور الوسيط، محافظة على قنواتها مع واشنطن وحماس معاً.

أما واشنطن، بقيادة دونالد ترامب، فتبدو مصممة على إنهاء ملفات غزة ولبنان ضمن تسوية شاملة تفتح الطريق أمام شرق أوسط جديد، عنوانه: الاستثمار والازدهار بدل الحروب المفتوحة.

تصريحات شخصيات أميركية بارزة، مثل توم باراك، تؤكد أن طي ملف حماس وحزب الله ، بات قراراً متخذاً. غير أن الطريق لن يكون سهلاً: ثمة معركة أخيرة تلوح في الأفق، قد تكون الأكثر قسوة، لكنها ستكون – وفق مقربين من الإدارة الأميركية – آخر الحروب قبل فرض التسوية النهائية.

وبذلك يصبح ملف نزع سلاح حزب الله خارج إطار الدولة اللبنانية، بعدما أعلن قاسم رفضه العلني تسليم السلاح، فيما ردّت إسرائيل بأنها ستنهي الملف بطريقتها، وبالتنسيق الكامل مع واشنطن.

اذا نحن أمام مرحلة فاصلة: تسوية حتمية في غزة ولبنان، لكنها لن تأتي بلا ثمن. المنطقة ستدخل أياماً عصيبة، قد تكون آخر فصول الحرب، قبل أن تفتح أبواب شرق أوسط جديد تُعيد رسمه واشنطن وحلفاؤها الإقليميون.

اخترنا لك