حزب الله بين ” 7 أيار” و”الروشة”

بقلم مروان الأمين

فتحت أحداث السابع من أيار 2008 الباب واسعًا أمام إدخال لبنان في فلك النفوذ الإيراني، وأعطت “حزب الله” موقع الممسك بخيوط اللعبة السياسية، يقرّر من يدخل السلطة ومن يخرج منها. حدث ذلك في ظل جو عربي عاجز وميل دولي، ولا سيما أميركي، إلى استرضاء طهران.

اليوم، تطرح فعالية “صخرة الروشة” سؤالًا مشروعًا حول ما إذا كانت نسخة “مدنية” من أيار 2008، خصوصاً أنها حملت بعض الملامح ذاتها: كسر قرارات الشرعية، فرض الأمر الواقع، والاستقواء على العاصمة وأهلها. هذا التشبيه قد يكون دقيقًا في الشكل، لكنه يختلف جذريًا في المضمون.

فصحيح أن “حزب الله” استكمل عبر هذه الفعالية مسار تحدي الدولة وتجاوز قراراتها، إلا أن الظروف السياسية والإقليمية الراهنة لا تسمح بتكرار سيناريو 2008 لجهة تعزيز النفوذ الإيراني. فقد شكّلت عملية “طوفان الأقصى” منعطفًا غير مسبوق، إذ وضعت للمرة الأولى مصير المحور الإيراني برمّته على المحك. فمنذ السابع من اكتوبر 2023، والمشهد الأوضح في المنطقة هو قطع أذرع طهران من دون استثناءات، سواء عبر القضاء عليها عسكريًا أو عبر دفعها إلى الاستسلام. والأهم أن مصير النظام الإيراني نفسه أصبح مطروحًا على طاولة البحث الأميركية – الإسرائيلية، حتى وإن لم تنضج بعد هذه “الطبخة”. كما أن مقاربة إدارة الرئيس ترامب أكثر صرامة تجاه النفوذ الإيراني، على عكس الإدارات السابقة.

على المستوى السياسي والاستراتيجي، لا يمكن وضع فعالية “صخرة الروشة” في خانة أحداث السابع من أيار، غير أنّها اكتسبت زخمًا استثنائيًا وأثارت اهتمامًا واسعًا بفعل جملة من العوامل.

أولًا، الانقسام داخل الشرعية نفسها في التعاطي مع الحدث، إذ لم تُنفَّذ قرارات رئيس الحكومة من قبل الأجهزة العسكرية والأمنية كما يفرض الدستور. على العكس، برزت تصريحات لافتة للحاج وفيق صفا مشيدًا بتعاون تلك الأجهزة لإنجاح الفعالية، أي عمليًا في المساهمة بكسر قرار الشرعية بدل صونه.

ثانيًا، خبر اللبنانيون قدرة “حزب الله” على فرض إرادته على الشرعية في أكثر من محطة، من تشكيل الحكومات إلى التعيينات وتفسير اتفاق وقف إطلاق النار. وفي كل مرة كانا، أي السلطة و”حزب الله”، يجدان مخارج لفظية أو شكلية تحفظ صورتها ولو جزئيًا. لكن ما جرى في “الروشة” شكّل ذروة الفجاجة في فرض الأمر الواقع، إذ لم تُترك للشرعية حتى مساحات المناورة التقليدية.

ثالثًا، المرحلة الجديدة التي دخلها لبنان بعد الحرب، ومع العهد الجديد وخطاب القسم، رفعت سقف تطلعات اللبنانيين لقيام الدولة واستعادة هيبتها. لذلك كان الإحباط مضاعفًا، في لحظة كانت بمثابة اختبار حقيقي لهيبة المؤسسات العسكرية والأمنية.

رابعًا، وعلى الصعيد الخارجي، منذ بداية العهد، يترقب العرب والمجتمع الدولي – ولا سيما الولايات المتحدة – منه خطوات عملية باتجاه استعادة هيبة الدولة واحتكار السلاح، كمدخل أساسي للاستثمار والمساعدات وإعادة الإعمار. من هنا، جاءت واقعة “الروشة” لتضرب صورة العهد، ولتفتح في الوقت ذاته باب المخاوف من عودة الحرب بعدما أثبتت السلطة عجزها.

في الخلاصة، لا ترقى فعالية “صخرة الروشة” إلى مستوى أحداث السابع من أيار، لكنها بلا شك تركت أثرًا سلبيًا على الساحة الداخلية كما على النظرة الخارجية للبنان. ففي لحظة إقليمية بالغة الحساسية، عادت الدولة لتؤكد أنها الحلقة الأضعف، عاجزة عن الاضطلاع بمسؤولياتها، فيما يرتبط جزء أساسي من هذا العجز بعوامل ذاتية لا يمكن إنكارها.

اخترنا لك