طوفان المنتشرين

بقلم أنطونيو فرحات

لا يختلف اثنان في لبنان على أن الاستحقاقات الدستورية أصبحت وجهت نظر ومحطة لتصفية حسابات سياسية بدل أن تكون محطة للمحاسبة أكانت من خلال تجديد الثقة أو حجبها.

يتبدى من خلال الممارسة أن ساسة لبنان يسعون دائمًا إلى البقاء داخل السلطة ولهذه الغاية يقومون بتفصيل قوانين انتخابية على مقاسهم وفي بعض الحالات يتحالف الأخصام لضمان بقائهم في موقع المسؤولية.

لا، ليس صدفة أنه وعند كل استحقاق دستوري أكان موعد انتخابات بلدية أو نيابية تتسارع القوى والتيارات السياسية إلى مناقشة القانون المعمول به، وهي طوال أربع أو ست سنوات سابقة تكون غائبة عن مناقشته ليظهر في وقت الاستحقاق صراع بين من يطالب بتعديل أو تغيير القانون وبين من يريد إبقاءه على حاله.

لا شك أن المجالس النيابية المتعاقبة لا سيما في العقد أو العقدين الماضيين كانت من أسوأ المجالس على المستوى التشريعي والرقابي.

كيف لا، ومستوى التشريع السنوي لمواكبة العصر والحداثة والتطورات القانونية والاجتماعية والمالية بطيء جدًا، أما الأسوأ، فإنه عندما يصدر قانون بعد طول انتظار يكون إما ناقصًا أو تشوبه عيوب قانونية وجوهرية الأمر الذي يدفع البعض إلى الطعن به وفي الحالتين النتيجة واحدة ألا وهي عدم نفاذه. ولا عجب مما تقدم متى كان النواب لا يفقهون بعلم القانون شيئًا.

وعليه عندما تلهث الطبقة السياسية إلى التجديد لنفسها فهي تعلم علم اليقين أنها لم تقم بما يتوجب عليها القيام به، لكنها في الوقت عينه تسعى إلى التجديد لنفسها حبًا بالسلطة من جهة، وسعيًا لإخفاء تقصيرها فيما لو تم انتخاب أشخاص جدد قد يحكمون ويقاربون العمل بالشأن العام بصورة صحيحة وأفضل من جهة أخرى، وعليه تلجأ الطبقة السياسية إما إلى تمديد ولاية المجلس وإما من خلال فرض قانون يناسبها. غير أنه في الحالتين العتب ليس عليها وإنما على الشعب الذي يعيد تجديد انتخابها إما ترغيبًا أو ترهيبًا والمضحك المبكي أنه يتوقع منها نتيجة مغايرة. إذ لا يمكن للمرء أن يقوم بالعمل عينه أكثر من مرة ويتوقع نتيجة مختلفة.

يتجلى في الآونة الأخيرة أن بعض القوى السياسية ترغب بإقصاء صوت المنتشرين في انتخاب واختيار نواب الأمة. كيف لا وهي السبب الرئيسي في انتشار القسم الأكبر منهم بسبب سياساتها وتسلطها وتفضيلها مصلحتها الشخصيّة على المصلحة العامّة. فلو سعت إلى خلق فرص عمل واستقرار في البلد لما تغرّب وانتشر أحد عن أهله ووطنه.

وعليه حتمًا يخاف بعض السياسيين من المحاسبة وطوفان أصوات المنتشرين السياديين التواقين إلى تغيير الواقع القائم في وطنهم الحبيب لا سيما وأن بعض من يقترع في الداخل هو أسير اعتبارات سياسية أو مالية أو أفعال ترهيبية، وعليه إن العيون تبقى شاخصة على الأصوات الحرّة السياديّة التي لا يهمها أجندات أجنبية واعتبارات أو مساومات أو من عزَّى أو قام بواجب غير الواجب الحقيقي المنوط به.

غير أن سؤالًا يطرح في الكواليس، هل فعلًا هناك من يسعى إلى مقايضة حصر السلاح غير الشرعي بقانون الانتخابات؟

لا عجب إن كان هذا الأمر مطروحًا لأن كلًا من الموضوعين هو سلاح أخطر من الآخر فسلاح الكلمة والتصويت من خلال انتخابات حرة ونزيهة أشد فتكًا وإيلامًا من سلاح غير شرعي قد يصدأ مع الوقت.

اخترنا لك