مظلومية المعارضين الشيعة : صوت أبناء الأرض في مواجهة وصاية السلاح

"مقال رأي غير مدفوع الأجر"

بقلم بلال مهدي

البلاد لا تُبنى بالشتائم ولا تُصان بالهراء الفكري، ولا تُدار بالادعاءات الفارغة عن انتصارات وهمية، ولا بتهديد كل من يجرؤ على قول كلمة حق. هذه هي الحقيقة التي يصرخ بها المعارضون الشيعة في وجه “حزب الله”، وهم الذين دفعوا أثماناً باهظة من كرامتهم ومالهم وأمنهم الإجتماعي لأنهم رفضوا أن يكونوا مجرد أتباع في مشروع إيراني دخيل على تراث جبل عامل وعلى هوية لبنان.

المعضلة لم تعد سياسية فقط، بل وجودية. المعارض الشيعي اليوم يُعاقَب مرتين. مرة لأنه يرفض الارتماء في أحضان نظام الملالي، ومرة أخرى لأنه فضح فساد التحالفات الداخلية التي غطتها الشعارات الجوفاء. هؤلاء الذين يُتهمون بالخيانة لم يرتكبوا سوى جريمة واحدة، أنهم أرادوا للبنان أن يكون دولة، وللجنوب أن يكون أرض كرامة لا مخزن سلاح ولا رهينة مغامرات.

التخوين هو السلاح الأرخص الذي يستخدمه “حزب الله” لإسكات المختلفين. يكفي أن تقول إنك لا ترى في إيران قدراً مقدساً حتى تنهال عليك الاتهامات. عميل، خائن، مندس. لكن من يتأمل هذه التهم يرى فيها انعكاساً لعجز الحزب عن تقديم منطق أو مشروع وطني، فيستعيض عنها بإرهاب لغوي وأمني. وكلما ارتفع منسوب التخوين، دلّ ذلك على أن المعارضين يمسّون الحقيقة المؤلمة، أن الحزب فقد السيطرة على وجدان الناس.

المعارضون الشيعة في الجنوب ليسوا قلّة تائهة ولا غرباء عن مجتمعهم. إنهم أبناء الأرض، أولاد قرى جبل عامل الذين ورثوا ثقافة غنية وتاريخاً مقاوماً للاستبداد، لكنهم رفضوا أن تتحول المقاومة إلى غطاء لمشروع طائفي أو ذراع للولي الفقيه. هم من يصرّون على أن الهوية الشيعية في لبنان جزء أصيل من الأمة اللبنانية، لا ملحق في دفتر ولاية خامنئي.

الأثمان التي يدفعها هؤلاء المعارضون كبيرة. حصار اجتماعي، تهميش اقتصادي، تهديدات علنية، بل أحياناً عزل داخل بيئتهم الطبيعية. ومع ذلك، صمدوا. صمودهم شهادة بأن الجنوب ليس أسيراً بالكامل لثقافة السلاح، وأن في صوته مساحة للحرية والكرامة.

مظلومية المعارضين الشيعة تكشف مأساة أعمق، أن لبنان كله يُختطف حين تُختطف طائفة. حين يُفرض على جماعة أن تسكت خوفاً، يصبح الوطن كله في زنزانة. ولهذا فإن الدفاع عن هؤلاء ليس شأناً طائفياً أو مطلباً فئوياً، بل واجب وطني. فالمعركة ضد “أذرع إيران” هي معركة استعادة الدولة من براثن الميليشيا والفساد.

المسألة لم تعد تحتمل تردداً أو مجاملات. إذا بقي السلاح بيد “حزب الله”، ستبقى الطائفة الشيعية متهمة ظلماً بأنها رهينة لمشروع إيران، بينما صوت المعارضين وحده يعيد لها براءتها الوطنية. هؤلاء هم الضمانة بأن الجنوب سيبقى أرضاً لبنانية قبل أن يكون أي شيء آخر، وأن الشيعة ليسوا جماعة معزولة عن وطنهم بل شركاء في تحديد مصيره.

الاعتراف بمظلومية هؤلاء المعارضين ليس ترفاً أخلاقياً، بل خطوة سيادية. حماية حقهم في التعبير والاختلاف هو حماية لحق لبنان في أن يكون دولة لا دويلة، قانوناً لا وصاية، كرامة لا تبعية. معركتهم ليست معركة كلمات، بل معركة بقاء.

غداً ستتكشف الحقائق التي يخافها الحزب. وغداً سيتبين أن من اتُّهم بالخيانة كان وفياً للبنان، ومن اتهم الآخرين بالعمالة كان أول من باع الوطن عند حدود المصالح الإيرانية. والتاريخ لن يرحم، بل سيسجل أن أبناء الجنوب الذين قاوموا القمع الداخلي كانوا أشرف من كل خطابات النصر الوهمية.

المعارضين الشيعة هم أكبر من كل الصغار الذين يلاحقونهم، وأشرف من كل المهرجين الذين يرفعون أصواتهم فوق المنابر. في زمن الوعي، ستنتصر الكلمة على الرصاصة، والحقيقة على التخوين، ولبنان على الميليشيا.

اخترنا لك