ندوة حول “الحرب الأميركية ـ الإسرائيلية المفتوحة على المنطقة”…
دبسي وهواري وقراءة في مشروع الشرق الأوسط الجديد
رصد بوابة بيروت
مع مرور عامين على الحرب الاسرائيلية المستمرة، أقامت منظمة العمل اليساري الديمقراطي العلماني ندوة مساء ألاربعاء الواقع فيه 8 تشرين الاول 2025، بمقرها في وطى المصيطبة تحت عنوان “الحرب الإسرائيلية المفتوحة ومشروع الشرق الأوسط الجديد ” تحدث فيها كل مدير مركز تطوير للدراسات الباحث الفلسطيني هشام دبسي والإعلامي والاكاديمي الدكتور زهير هواري، وحضرها حشد من المهتمين تقدمهم: رئيس المكتب التنفيذي للمنظمة زكي طه، ممثل السفارة الفلسطينية وسام أبو زيد، العميد الدكتور محمد حسن الحاج، د. حسن قبيسي، د. عبدالله رزق أمين عام المجلس الثقافي للبنان الجنوبي، د. بهاء أبو كروم، الباحث حسان قطب، الاعلامي باسم سعد، النقابي محمد قاسم، فوزي أبو دياب، رائد همدر وأمين سر اطار الحوار التعددي جمال حلواني وحشد من الأصدقاء والصديقات.
بعد تقديم مختصر من هواري للندوة، تحدث الباحث دبسي فتساءل عن الأسباب التي حدت بأميركا على التدخل السريع وإدارة المعركة بنفسها، ما دفع اسرائيل إلى اللحاق بها. خصوصا بعد أن تولى الجنرالات الاميركيون وضع الخطط الحربية واصدار القرار وأوامر العمليات في قطاع غزة وسائر جبهات القتال. وربط هذا الاشراف بعدم التزام ايران بأصول الصراع الذي عرفته المنطقة ومحاولتها أن تشكل حلقة الوصل مع المحور الاوراسي. وهو ما أشارت إليه العديد من دراسات مراكز الأبحاث التي اعتبرت أن الخطوة الإيرانية التي واكبت عملية طوفان الأقصى قد تجاوزت الخطوط الحمر وتستوجب الرد بحسم عليها، ما دفع اميركا إلى تولي زمام المعركة بنفسها وإدارتها وتمويلها وتزويدها بالأسلحة المطلوبة. وشرح أهمية المحور الاوراسي الذي كان من المقرر له أن يضم كلا من الصين وروسيا وايران كحلقة بين روسيا والصين. ويعتقد عدد من الباحثين أنه لم يكن مسموحا من قبل اميركا لإيران أن تلعب هذا الدور بدليل الاتفاق الثنائي بين أذربيجان وأرمينيا والذي أصبح ثلاثيا مع تركيا.
وقال إن هذه الرؤية مطروحة للنقاش وتقبل الاجتهادات في تقدير الموقف والوضع. ثم تطرق إلى الأسئلة التي أثارتها المعركة، بشأن انضباط أو عدم انضباط حركة حماس، بما يقرر ويرسم في غرفة العمليات المشتركة التي أنشاتها قوى محور الممانعة بقيادة ايران في بيروت. والواقع أن هناك من يروج بأن الحركة انفردت بقرارها بدليل القول الشائع أنه كان من المقرر أن يرافق هجومها من جبهة الجنوب في قطاع غزة هجوم في الشمال على جبهة الجليل من خلال وحدات قوة الرضوان.
وأكد دبسي أن هدف الأسئلة المطروحة إثارة دينامية نقاش نحن بأمس الحاجة إليها، خصوصا وأن الوقائع التي نشهدها تثير ذهول مناضلين مخضرمين لسرعة ايقاعها من جهة واتساع ميدانها الذي شمل المنطقة بأسرها. وهذا كله سيكون له نتائجه تبعا للمقاربات التي يمكن التوصل إليها تبعا للوقائع المطروحة. وتابع نحن الآن وبعد هذا الدمار والخسائر الفادحة وما تتعرض له الضفة الغربية التي يجب أن يُبنى عليها مستقبل الدولة الفلسطينية، يتوجب علينا دعوة العقل الفلسطيني والعربي إلى إعادة حساباته بعد أن أعاب الممانعون على السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير رفع شعارها “باقون في الأرض” ولن نقبل بالتهجير مهما كان الثمن. وأن صمودنا هو طريق النضال من أجل تعديل ميزان القوى، لكسر موجات حرب التهجير. فالسلطة ومنظمة التحرير تحاولان حماية المجتمع الفلسطيني في مواجهة جرافة الاحتلال. وأساس ذلك تصليب الموقع الشعبي كي يصبح قادرا على مقاومة الهجمة التي تساعدها الأصوات التي تزايد على الرئاسة والمنظمة. ووصف العلاقة التي نسجتها السلطة الفلسطينية مع كل من الأردن ومصر بأنها هي التي سمحت بمنع مخطط التهجير الأميركي – الإسرائيلي أن يأخذ مداه. كما أن مواقف هذا المثلث ساهمت في تظهير الموقفين العربي والإسلامي، ثم الموقف الدولي وإعلان نيويورك الذي وضع الدولة الفلسطينية على خارطة التنفيذ الفعلي والعملي، ووضع إسرائيل ومعها اميركا في الزاوية من خلال شبه الإجماع الدولي على تبني الحق الفلسطيني. إن مبادرة كل من المملكة العربية السعودية وفرنسا وانضمام بريطانيا وألمانيا وعشرات الدول في اوروبا والعالم للدفاع عن حق اقامة الدولة الفلسطينية هو نصر سياسي ودبلوماسي – رغم الخسائر في الميدان- يؤكد على صوابية الصراع في كل محفل من أجل فرض الوقائع التي ناضل الشعب الفلسطيني سنوات طويلة من أجل تحقيقها.
بعده وصف هواري الحرب التي تشهدها المنطقة منذ عامين بأنها حرب أميركية بامتياز باعتبارها صاحبة القرار السياسي والميداني أيضا، رغم أن الجيش الإسرائيلي هو من يتولى الجانب القتالي المباشر منها سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية، وكذلك في سوريا ولبنان واليمن وصولا إلى قطر وطهران. وناقش هواري الجذور التاريخية للانحياز الأميركي لإسرائيل بما هو محصلة تطور سياسي قوامه صحوة اليمين الشعبوي في الغرب عموماً، وفي اميركا التي تعتبر القطب الرئيسي الأساسي الأوحد في عالم اليوم، بالنظر إلى ما تملكه من قواعد وحاملات طائرات وهيمنة على كامل الكوكب.
وتوقف عند الجانب الاقتصادي المتمثل باتساع ظاهرة الميليارديرات المتحكمين في السياسة العالمية” وهم الذين يشاركون مباشرة في صناعة القرار السياسي. ولم يكن مشهد حفل تنصيب ترامب، سوى إعلان رسمي عن انتقال السلطة الفعلية إلى رأس المال العالمي، الذي لم يعد يكتفي بتوكيل الساسة، بل بات يمسك بزمام القرار مباشرة. ورأى أن هيمنة اميركا على المنطقة ينطلق من حرصها على منع قيام أقطاب منافسين لها بدليل حرب روسيا وأوكرانيا، ودفع أوروبا للاندراج في سياقها، ومحاولة حصر الصين في الدائرة الآسيوية. وربطها بين الشرق الأوسط الجديد وما سمى سابقاً استراتيجية “الفوضى الخلاقة”. واعتبر ان سيطرة اميركا على مقدرات المنطقة من النفط والغاز تتيح لها منع الصين من المنافسة على ثروات العالم وممراته الحيوية في هرمز وباب المندب وقناة السويس.
ورأى هواري أن مصطلح الشرق الأوسط الجديد تغذى من التفكك العربي الذي أغرى نتنياهو وإسرائيل على الشروع في إقامة دولة إسرائيل الكبرى انطلاقا من الهيمنة على المنطقة العربية التي فقدت مناعتها. وعرض لسياسات ايران وتمدد نفوذها في البلدان عبر السيطرة على أربع عواصم عربية وتطور مشروعها النووي وصواريخها البالستية، على مرأى من أميركا وبقبول منها، قبل أن تقرر تقليم اظافرها عندما تدخلت في الحرب، ما ادى إلى تهاوي طموحاتها التي باتت مقتصرة على حماية نظامها في ايران نفسها. كما تطرق إلى محاولة تركيا وراثة الدور الإيراني. وشرح مليا السياسة الإسرائيلية إزاء سوريا وعملها الدؤوب على تفكيكها كدولة وتقسيمها إلى دويلات متنازعة تتصارع باستمرار فيما بينها، واحتلال مناطق استراتيجية منها تضاف إلى مرتفعات الجولان التي اعترف ترامب بحق اسرائيل بضمها الى اراضيها.
وعرض لما يواجهه لبنان في هذه الخطة من مخاطر هذا الواقع، المقترن بضعف الدولة اللبنانية وتشتت مؤسساتها، ما يضع البلاد تحت رحمة العدوان الدائم، ويمنعها من التقدم نحو الشروع في بناء الدولة ومؤسساتها.
واعتبر في الختام البديل الواقعي والضروري ينطلق بداية من ضرورة الاعتراف بالهزيمة بدل ادعاء انتصارات وهمية، والتفكير في كيفية الخروج من أحكامها القاهرة نحو بناء مشروع تحرري عربي جديد، يقوم على الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والسيادة الوطنية والمواطنة، ويعيد الاعتبار لفكرة المقاومة بوصفها نضالا مجتمعيا من أجل التقدم والتنمية والمساواة، ودفاعًا عن حق الشعوب في تقرير مصيرها، لا كأداة لتكريس سلطات الأمر الواقع الطائفية أو محاور النفوذ الاقليمية. هذا المشروع النهضوي وحده، يمكن أن يشكل قاعدة لإحياء الأمل في شرق أوسط مختلف. شرق أوسط تُصاغ توازناته من خلال إرادة الشعوب وليس من فوهات مدافع وصفقات القوى الكبرى.
وختاما قدم عدد من الحضور مداخلات تمحورت حول ضرورة وأهمية نقد مجريات الحرب وما سبقها من انتكاسات وهزائم، وضرورة تنويع وسائل المواجهة سياسيا واجتماعيا وثقافيا وعلميا. ويبقى الأهم إعادة بناء الدول العربية ومؤسساتها التوحيدية على قاعدة الديمقراطية والعدالة والمساواة بين سائر المكونات. وقدمت العديد من الأسئلة التي رد عليها المتحدثان.